يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ﴾(١) فلا تتركوا الجهاد بسبب خوف الموت ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ سَمِيعٌ﴾ لمقالكم في التّرغيب إلى الجهاد والتّرهيب منه ﴿عَلِيمٌ﴾ بما في قلوبكم من الدّواعي الدّينيّة والدّنيويّة.
﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً وَاللهُ يَقْبِضُ
وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٤٥)﴾
ثمّ لمّا كان الجهاد موقوفا على الإنفاق على نفسه ، وعلى غيره [ من ] العاجزين عن نفقة السّفر ومؤنة الجهاد ، أردف الأمر بالجهاد بالتّرغيب الأكيد في أداء الصّدقات بقوله : ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ﴾ بالإنفاق على الفقراء من المؤمنين بإخلاص النيّة وطيب النّفس ﴿قَرْضاً حَسَناً﴾ ومالا حلالا طيبا. وإطلاق القرض على الصّدقة باعتبار أنّ الصّدقة قطع قطعة من المال عن نفسه ، بعوض الأجر الموعود من الله.
روي أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله قال : « من تصدّق بصدقة ، فله مثلها في الجنّة » . فقال أبو الدحداح - واسمه عمر (٢) بن الدحداح - : [ يا رسول الله ] إنّ لي حديقتين ، إن تصدّقت بإحداهما فإنّ لي مثليها في الجنّة ؟ قال : « نعم » ، قال : وامّ الدحداح معي ؟ قال : « نعم » (٣) .
وفي رواية قال : والصّبية معي ؟ قال : « نعم » . فتصدّق بأفضل حديقتيه (٤) .
وفي رواية ابن عبّاس : كانت تسمّى الحنينة ، فدفعها إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فضاعف الله صدقته ألفي ألف ، وذلك قوله تعالى : ﴿أَضْعافاً كَثِيرَةً﴾
قال : فرجع أبو الدحداح ، فوجد امّ الدحداح والصّبية في الحديقة التي جعلها صدقة ، فقام على باب الحديقة ، فكره أن يدخلها ، فنادى : يا امّ الدحداح ، قالت : لبّيك يا أبا الدحداح ، قال : إنّي قد جعلت حديقتي صدقة ، [ واشتريت مثليها في الجنّة وامّ الدحداح معي والصّبية معي ] قالت : بارك الله في ما شريت وفي ما اشتريت. فخرجوا منها ، وأسلموا الحديقة إلى النبيّ صلىاللهعليهوآله (٥) .
﴿فَيُضاعِفَهُ لَهُ﴾ في الأجر والثّواب ﴿أَضْعافاً كَثِيرَةً﴾ لا يعلمها إلّا الله. وقيل : الواحد بسبعمائة ؛ نظرا إلى قوله تعالى : ﴿كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ﴾(٦) .
__________________
(١) النساء : ٤ / ٧٨.
(٢) في مجمع البيان : عمرو.
(٣ و٤) . مجمع البيان ٢ : ٦٠٨.
(٥) مجمع البيان ٢ : ٦٠٨ ، تفسير الرازي ٦ : ١٦٦.
(٦) البقرة : ٢ / ٢٦١.