جماعة من أهل العلم المأونين عن الكذب بأمر ، سيّما مع انضمامه بأمارات اخر مورث للعلم به ، واليقين بتحقّقه. وهذا في الحقيقة من الاجتهاد اللّازم في الاصول.
﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ
ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (٧٩)﴾
ثمّ شرع الله تعالى في تهديد المحرّفين للتّوراة بقوله : ﴿فَوَيْلٌ﴾ وهو واد في جهنّم - كما عن النبيّ صلىاللهعليهوآله ، وعذاب أليم كما عن ابن عبّاس (١) - معدّ ﴿لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ﴾ المحرّف ﴿بِأَيْدِيهِمْ﴾ وبمباشرتهم بحيث لا يمكنهم إنكاره ﴿ثُمَّ يَقُولُونَ﴾ لعوامّهم ﴿هذا﴾ المكتوب من جملة التوراة النازلة ﴿مِنْ عِنْدِ اللهِ﴾
روي أنّ أحبار اليهود خافوا ذهاب مأكلهم وزوال رئاستهم حين قدم النبيّ صلىاللهعليهوآله المدينة ، فاحتالوا في تعويق أسافل اليهود عن الايمان ، فعمدوا إلى صفة النبيّ صلىاللهعليهوآله في التوراة ، وكانت فيها : حسن الوجه ، جعد (٢) الشعر ، أكحل العينين ، ربعة - أي متوسّط القامة - فغيرّوها ، وكتبوا مكانها : طوال ، أزرق ، سبط الشعر ، فإذا سألهم سفلتهم قرءوا عليهم ما كتبوا (٣) . وقالوا : إنّ صفات النبيّ الموعود مغايرة لصفات محمّد.
وفي رواية : قالوا : إنّه (٤) عظيم الجثّة والبطن ، أصهب الشعر ، ومحمّد بخلافه ، وإنّه يجيئ بعد خمسمائة سنة (٥) .
﴿لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً﴾ من المال والرئاسة على الضعفاء ، ولأن لا يتحمّلوا مؤنة خدمة النبيّ صلىاللهعليهوآله ، وهذا من نهاية شقاوتهم ، وغاية دناءتهم حيث رضوا بتحمّل العذاب الشديد الدائم الأجل ، لأجل حبّ المال القليل الزائل ، والجاه الوبيل العاجل.
ثمّ أنّه تعالى بعد ما ذكر استحقاقهم الويل لكتابة الكتاب وتحريفه ، وافترائهم على الله ، وأخذهم الأموال ، وكان مجال توهّم أنّ الاستحقاق يكون بسبب مجموع الامور ، أعاد ذكر الويل لكلّ واحد
__________________
(١) تفسير الرازي ٣ : ١٤٠.
(٢) في تفسير أبي السعود : حسن.
(٣) تفسير أبي السعود ١ : ١٢٠.
(٤) زاد في تفسير العسكري عليهالسلام : طويل.
(٥) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليهالسلام : ٣٠٢ / ١٤٥.