اللّذيذة الدنيويّة والمحسوسات بالحواسّ الظاهريّة.
في بيان دلالة جميع ذرات الموجودات على الصانع ووجوب وجوده وكماله
ثمّ اعلم أنّ الدلالة على وجوده تعالى وكماله في الصّفات غير مختصّ بتلك الآيات المعدودة في الآية ، بل كلّ موجود من الموجودات ، حتّى النّملة والذّرّة من آيات وجوده وكماله.
وأتمّ أنحاء الاستدلال بها وأقصرها أن نقول : إنّا نتصوّر جميع ماله حظّ من الوجود بحيث لا يشذّ منه شيء ، وحينئذ فإمّا أن نحكم بأنّ جميعه واجب قديم ، وإمّا أن نحكم بأنّ جميعه ممكن حادث ، وإمّا أن نحكم بأنّ بعضه واجب وبعضه ممكن. ولا سبيل إلى الأوّل لامتناع تعدّد الواجب القديم ، حيث إنّ التعدّد مستلزم للتّركّب ممّا به الاشتراك وما به الامتياز ، والتركّب مستلزم للحدوث والحاجة.
أمّا الحدوث فلأنّ المركّب متأخّر بالطّبع وجودا عن وجود أجزائه ، وأمّا الحاجة فلأنّه لو لم تكن الأجزاء لم يكن المركّب ، والواجب قديم بالذّات ، مع أنّ قدم الجميع خلاف الحسّ والوجدان ، ولا سبيل إلى الثاني لبداهة أنّ الحادث محتاج إلى العلّة ، والمفروض أنّه لا موجود غير ما فرضناه حتّى يكون علّة له ، وفرض كون جميع الموجودات حادثا مستلزم لعدم كونها معلولة لعلّة ، وهو محال ، فتعيّن الثالث وهو كون بعضه واجبا وبعضه ممكنا.
وقد ثبت امتناع تعدّد الواجب ، فثبت وحدته ، وأنّ ما سواه أثره وصنعه ، فتحصّل من جميع ذلك أنّ جميع العالم مرآة جمال الله وجلاله ، والانسان العاقل هو المشاهد فيها بعين بصيرته ، وإنّما خصّ سبحانه وتعالى الآيات الثّماني بالذكر لظهور عظمها في الأنظار ، وإنّها جامعة بين كونها دلائل على معرفته ونعماه على الخلق أجمعين على أوفر حظّ ونصيب. وإذا كانت الدلائل كذلك ، كانت انجع في القلوب وأشدّ تأثيرا في النّفوس.
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا
أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ
اللهَ شَدِيدُ الْعَذابِ (١٦٥) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ
وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ (١٦٦) وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما