الغطاء عن الموقن ما ازداد يقينا.
ولا شبهة أنّ العمل يختلف باختلاف مراتب اليقين ، حيث إنّه نور ساطع في القلب ، سار شعاعه إلى الجوارح ، فبحسب انبثاث شعاعه ينفذ روح الايمان في الأعضاء وتتقوّى وتتحرّك للقيام بوظائفه ، فبنفوذ نور الإيمان وروجه في كلّ جارحة يظهر أثره فيه ، فأثر إيمان القلب المعرفة والانقياد والخضوع ، وأثر إيمان الدّماغ التفكّر والتدبّر في آيات الله ودلائل المبدأ والمعاد ، وأثر إيمان العين الغضّ عن المحرّمات ، والنّظر إلى الآيات ، وأثره في سائر الجوارح أداء كلّ جارحة وظيفتها.
نعم ، بعض الأعمال يشترك فيه جميع الجوارح كالصلاة ، ولذا سمّاها الله بالإيمان في قوله : ﴿وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ﴾(١) وأراد به الصّلاة ، ولذا خصّها بالذكر بعد الإيمان بقوله : ﴿وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ﴾ ويتمرّنون لأدائها وحفظ أوقاتها وتعديل أركانها ورعاية فرائضها وسننها وآدابها.
ويمكن أن تكون الصلاة لكونها أهمّ الفرائض البدنيّة كناية عن جميع فرائضها في مقابل الفرائض الماليّة ، أو تكون كناية عن جميع الأعمال التي يرجع صلاحها إلى عاملها من غير تعدّ إلى غيره ، ويكون قوله تعالى : ﴿وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ﴾ ومتّعناهم به في الدنيا ﴿يُنْفِقُونَ﴾ ويبذلون ، كناية عن جميع الفرائض الماليّة ، أو جميع الأعمال التي فيها صلاح الغير من بذل المال ، وتعليم العلم ، وإعانة الغير بالقوى البدنيّة والجاه ، وغير ذلك ممّا يحتاج إليه غيره وينتفع به.
عن الصادق عليهالسلام : « وممّا علّمناهم يبثّون » (٢) .
وفي رواية : « وممّا علّمناهم من القرآن يتلون » (٣) .
والظاهر أنّ المراد أنّهم يتلونه لغيرهم حتّى يتعلّموا ، وقد جمعت الآيتان جميع الوظائف القلبيّة والجوارحيّة والماليّة ، فإنّ كلّها من لوازم التّقوى.
قيل : إنّ هذه الآية نزلت في مؤمني العرب (٤) .
﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٤)
أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥)﴾
__________________
(١) البقرة : ٢ / ١٤٣.
(٢) مجمع البيان ١ : ١٢٢.
(٣) تفسير القمي ١ : ٣٠.
(٤) تفسير روح البيان ١ : ٤٠.