ثمّ ذكر الله تعالى اختلاف امم الأنبياء ، ووقوع القتال بينهم ، مع أنّ الأنبياء كانوا في كمال العظمة وعلوّ المقام تسلية لقلب حبيبه ، بقوله : ﴿تِلْكَ﴾ جماعة ﴿الرُّسُلُ﴾ الّذين أرسلناهم لإصلاح الأرض ، ودفع الفساد ، وهداية العباد ﴿فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ﴾ في المقامات المعنويّة ، ومرتبة الرسالة ﴿عَلى بَعْضٍ﴾ آخر ﴿مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ﴾ وشافهه بالمخاطبة كخاتم النّبيّين صلىاللهعليهوآله في ليلة المعراج وغيرها ، وكموسى بن عمران ﴿وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ﴾ كثيرة ، لا يقاس بغيره.
في أفضلية خاتم النبيين صلىاللهعليهوآله على جميع الأنبياء والمرسلين والملائكة المقرّبين
ولعلّ الفرق بين التّفضيل المذكور في الصدر ، والرفع المذكور هنا ، أنّ الأوّل لبيان أفضليّة بعض الرّسل على بعض ، وتفاوت مراتب بعضهم بالقياس إلى [ بعض ] آخر ، وهنا لبيان الرّفعة المطلقة من غير إضافة ونسبة إلى بعض آخر ، كما أنّ رفعة السّلطان رفعة مطلقة بالنّسبة إلى الفقير ، ولا يقال : إنّ السّلطان أرفع قدرا من الفقير الصّعلوك ، فإن رتبة الفقير ليس بقابل أن تقع [ في ] طرف النّسبة لرتبة السّلطان ، بخلاف رتبة السلطان بالنّسبة إلى سلطان آخر.
وهذه المرتبة من الرّفعة لخاتم النّبيّين صلىاللهعليهوآله ، حيث إنّه اوتي ما لم يؤت أحد من المرسلين ، ولو أنّ إبراهيم وموسى وعيسى عليهمالسلام كانوا في زمانه عليهالسلام لم يسعهم إلّا الايمان به واتّباع دينه.
عن ( العيون ) : عن النبيّ صلىاللهعليهوآله : « ما خلق الله خلقا أفضل منّي ، ولا أكرم عليه منّي » .
قال عليّ عليهالسلام : « فقلت : يا رسول الله أنت أفضل أم جبرئيل ؟ »
فقال : « إنّ الله فضل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقرّبين ، وفضّلني على جميع النّبيّين والمرسلين ، والفضل بعدي لك يا علي ، وللأئمّة من بعدك ، وإنّ الملائكة لخدّامنا ، وخدّام محبّينا » (١) .
عن ابن عبّاس ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « اعطيت خمسا ، لم يعطهنّ أحد قبلي ولا فخر : بعثت إلى الأحمر والأسود وكان النبيّ قبلي يبعث إلى قومه ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، ونصرت بالرّعب أمامي مسيرة شهر ، واحلّت لي الغنائم ولم تكن لأحد قبلي ، واعطيت الشّفاعة فادّخرتها لامّتي ، فهي نائلة إن شاء الله لمن لا يشرك بالله شيئا » (٢) .
وروى البيهقي في ( فضائل الصّحابة ) على ما نقله الفخر الرّازي مع نهاية عصبيّته : أنّه ظهر عليّ عليهالسلام من بعيد ، فقال النبيّ صلىاللهعليهوآله : « هذا سيّد العرب » فقالت عائشة : أ لست أنت سيّد العرب ؟ فقال : « أنا سيّد
__________________
(١) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ١ : ٢٦٢ / ٢٢ ، تفسير الصافي ١ : ٢٥٨.
(٢) تفسير الرازي ٦ : ١٩٨.