اممهم.
قيل : إنّه تعالى قد أجاب دعوتهم ، وجعلهم أنبياء ورسلا ، فأحيوا الموتى وصنعوا ما صنع عيسى عليهالسلام (١) .
في اجتماع اليهود على قتل عيسى ورفعه إلى السماء
ثمّ إنّ كفّار بني إسرائيل أصرّوا على عداوة عيسى عليهالسلام ﴿وَمَكَرُوا﴾ به وسعوا خفية في قتله ، بأن وكّلوا به من يقتله غيلة ﴿وَمَكَرَ اللهُ﴾ بأن دبّر ما يدفع القتل عنه ، من رفعه إلى السّماء ، وإلقاء شبهه على أحد محبّيه وحواريه ، أو على الذي دلّ أعداءه عليه منهم.
قيل : إنّ يهودا ملك اليهود أراد قتل عيسى عليهالسلام ، وكان جبرئيل لا يفارقه ساعة ، فأمره أن يدخل بيتا فيه روزنة (٢) ، فلمّا دخلوا البيت أخرجه جبرئيل من تلك الرّوزنة ، وكان قد ألقى شبهه على غيره ، فأخذوه وصلبوه (٣) .
﴿وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ﴾ وأقواهم كيدا وتدبيرا ، وأقدرهم على الإضرار بمن يريد الضّرر بأوليائه.
﴿إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا
وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ
فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٥٥)﴾
ثمّ بيّن الله أنّ ذلك المكر كان ﴿إِذْ قالَ اللهُ﴾ وحين أوحى إليه بلا واسطة جبرئيل : ﴿يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ﴾ وقابضك كاملا من الأرض ، أو متوفّي أجلك المسمّى ، عاصما إيّاك من قتلهم ﴿وَرافِعُكَ إِلَيَ﴾ وإلى محلّ كرامتي ومقرّ ملائكتي ، بروحك وجسدك ﴿وَمُطَهِّرُكَ﴾ ومخلّصك ﴿مِنَ﴾ أيدي ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ ومن سوء جوارهم ، وخبث مرافقتهم.
قيل : إنّ اليهود لمّا عزموا على قتله ، اجتمع الحواريّون في غرفة ، فدخل عليهم المسيح من مشكاة الغرفة ، فأخبر بهم إبليس جميع اليهود ، فركب منهم أربعة آلاف رجل فأخذوا باب الغرفة ، فقال المسيح للحواريّين : أيّكم يخرج ويقتل ويكون معي في الجنّة ، فقال واحد منهم : أنا يا نبيّ الله ، فألقى عليه مدرعة من صوف وعمامة من صوف ، وناوله عكّازة ، والقي عليه شبه عيسى ، فخرج على اليهود
__________________
(١) تفسير الرازي ٨ : ٦٤.
(٢) الرّوزنة : هي الكوّة في الحائط ، غير نافذة يوضع فيها المصباح ، وتسمى بالمشكاة.
(٣) تفسير الرازي ٨ : ٦٥.