إلها ، إذ حقّت عليكم كلمة العذاب.
ثمّ كأنّهم قالوا : فما نصنع إذن ؟ قال : إن اردتم العلاج ﴿فَتُوبُوا﴾ وارجعوا ﴿إِلى بارِئِكُمْ﴾ وخالقكم الذي برّأكم من العيب والتّفاوت.
ثمّ كأنّهم قالوا : كيف نتوب ؟ فقال : إن عزمتم على التوبة ﴿فَاقْتُلُوا﴾ أيّها العابدون للعجل ﴿أَنْفُسَكُمْ﴾ بعضكم بعضا ، أو غير العابدين العابدين ، فإنّ خالقكم وموجدكم ومبرّئكم من العيوب في الخلق أمركم بالقتل ، ورضي بإعدامكم لتبرؤوا من الذنب العظيم ، فإنّ ﴿ذلِكُمْ﴾ القتل وإن كان فيه ذهاب الحياة وزوال النعم الدنيوية ، ﴿خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ﴾ من ابتلائكم بالعذابات (١) الاخرويّة الأبديّة.
ثمّ من نعم الله عليكم أنّه وفّقكم حتّى فعلتم ما امرتم به ﴿فَتابَ عَلَيْكُمْ﴾ قبل فناء جميع أسلافكم ، وإلّا لم يبق والد ولا ولد ﴿إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ﴾ وسريع القبول للإنابة ، وهو ﴿الرَّحِيمُ﴾ بعباده ، لا يرضى بضررهم وقتلهم إلّا أن يكون لهم خيرا ولا بعذابهم إلّا إذا لم يكونوا للعفو والرّحمة أهلا.
قيل : كان عدّة بني إسرائيل ستّمائة ألفا. وقيل : ستمائة وعشرون ألف مقاتل ، لا يعدّون منهم ابن العشرين لصغره ، ولا ابن الستّين لكبره (٢) . وكان عدد عابدي العجل سبعين ألفا. وقيل : كان عدد غير العابدين اثني عشر ألفا (٣) .
﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ
وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (٥٥) ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٥٦)﴾
ثمّ ذكّرهم النعمة السادسة ، بقوله : ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ﴾ ولن نصدّقك في دعوى النبوّة وفي أن التّوراة كتاب الله ، وأنّ الله يكلّمك ﴿حَتَّى نَرَى اللهَ﴾ رؤية ﴿جَهْرَةً﴾ وظاهرة ﴿فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ﴾ وأصابتكم النّار المحرقة النازلة مع الصّوت الهائل ﴿وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾ إلى نزولها إليكم.
قيل : كان القائلون [ غير ] السبعين الذين اختارهم موسى عليهالسلام لأن يذهبوا إلى الطّور للاعتذار عن
__________________
(١) في النسخة : بالعذاب.
(٢) تفسير روح البيان ١ : ١٣١.
(٣) تفسير الرازي ٣ : ٨٢.