يَنْبُوعاً﴾(١) إلى آخرها ؛ وجّه الله الخطاب إلى جميعهم بنحو الإضراب عن ذكر سائر قبائح أعمالهم إلى الإنكار عليهم هذه الاقتراحات بقوله : ﴿أَمْ تُرِيدُونَ﴾ وهل تعزمون أيّها اليهود والمشركون ﴿أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ﴾ وتقترحوا عليه ﴿كَما سُئِلَ مُوسى﴾ واقترح عليه ﴿مِنْ قَبْلُ﴾ بقولهم ﴿أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً﴾(٢) وقولهم : ﴿اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ﴾(٣) فإنّ هذه الاقترحات لا تكون الّا من الإصرار على الكفر والإعراض عن الإيمان.
﴿وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ﴾ ويختاره لنفسه عوضا عنه ﴿فَقَدْ ضَلَ﴾ وأخطأ ﴿سَواءَ السَّبِيلِ﴾ ووسط الطّريق الذي يوصله إلى كلّ خير في الدنيا وإلى رحمة الله ونعيم الأبد في الآخرة ، وأخذ في الطّريق المؤدّي إلى نقمة الله والعذاب الدائم.
﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ
أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ
اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٠٩)﴾
ثمّ إنّه روي أنّ فنحاص (٤) بن عازوراء وزيد بن قيس ونفرا من اليهود قالوا لحذيفة بن اليمان وعمّار بن ياسر رضي الله عنهما بعد وقعة أحد : أ لم تروا ما أصابكم ؟ ولو كنتم على الحقّ ما هزمتم ، فارجعوا إلى ديننا فهو خير لكم وأفضل ، ونحن أهدى منكم سبيلا.
فقال عمّار : كيف نقض العهد فيكم ؟ قالوا : شديد. قال : فإنّي عاهدت أن لا اكفر بمحمّد صلىاللهعليهوآله ما عشت. فقالت اليهود : أمّا هذا فقد صبأ.
وقال حذيفة : أمّا أنا فقد رضيت بالله ربّا ، وبمحمّد صلىاللهعليهوآله نبيّا ، وبالاسلام دينا ، وبالقرآن إماما ، وبالكعبة قبلة ، وبالمؤمنين اخوانا.
ثمّ أتيا رسول الله صلىاللهعليهوآله وأخبراه ، فقال : « أصبتما خيرا وأفلحتما » (٥) . فنزلت : ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ﴾ وتمنّوا ﴿لَوْ يَرُدُّونَكُمْ﴾ ويصيّرونكم بشبهاتهم وحيلهم وتسويلاتهم ﴿مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ﴾ بالرّسول ومعرفتكم الحقّ ووضوح آياته ﴿كُفَّاراً﴾ بنبوّة محمّد صلىاللهعليهوآله وكتابه مرتدّين عن دين الإسلام
__________________
(١) الإسراء : ١٧ / ٩٠.
(٢) النساء : ٤ / ١٥٣.
(٣) الأعراف : ٧ / ١٣٨.
(٤) في النسخة : فنيحاص.
(٥) تفسير الرازي ٣ : ٢٣٦ ، تفسير أبي السعود ١ : ١٤٥.