وأدون ، ولعلّه من حيث المجموع ، وإن كانت الحنطة أشرف ﴿بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ﴾ لكم وأنفع في الدنيا والدّين ، لأنّ ما اختاره الله لهم من الطّعام لا بدّ أن يكون أصلح من جميع الجهات ، وعدم رضاهم بما رزقهم الله ، واتّباعهم شهوة أنفسهم ، كان من مذامّ أخلاقهم.
ومع ذلك أجاب الله برحمته مسألتهم وقال : إن كنتم تريدون هذه الأشياء ﴿اهْبِطُوا﴾ وانزلوا ﴿مِصْراً﴾ من الأمصار ﴿فَإِنَّ لَكُمْ﴾ فيه ﴿ما سَأَلْتُمْ﴾ من البقول وغيرها ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ﴾ بعد هذه الألطاف ﴿الذِّلَّةُ وَ﴾ الهوان بإلزامهم بالجزية ، وشملتهم ﴿الْمَسْكَنَةُ﴾ ولازمهم الفقر والفاقة.
قيل : إنّهم ولو كانوا أغنياء ، يعيشون عيش الفقراء.
﴿وَباؤُ﴾ ورجعوا أو التجأوا ﴿بِغَضَبٍ﴾ عظيم ، ولعنة دائمة كائنة ﴿مِنَ اللهِ﴾
ثمّ بيّن سبحانه سبب ذلك العذاب واللّعنة وهو أمران ، أعظمهما ما فعلوه في حقّ الله ، ولذا بدأ بذكره بقوله : ﴿ذلِكَ﴾ النّكال والغضب معلّل ﴿بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ﴾ دائما ﴿بِآياتِ اللهِ﴾ الباهرة ، وينكرون معجزات موسى ، وقرآن محمّد صلىاللهعليهوآله ، ثمّ بعده ما فعلوه في حقّ الأنبياء ، ولذا ثنّاه بقوله : ﴿وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ﴾ كشعيب وزكريّا ويحيى وغيرهم ، وهم يعلمون أنّ قتلهم يكون ﴿بِغَيْرِ الْحَقِ﴾ الموجب له.
عن ابن عبّاس : أنّه لم يقتل قطّ من الأنبياء إلّا من لم يؤمر بقتال ، ومن امر بقتال نصر (١).
ثمّ ذكر سبب وجود الكفر والطغيان منهم ، بقوله : ﴿ذلِكَ﴾ الكفر والقتل ﴿بِما عَصَوْا﴾ الله في أفعالهم الراجعة إلى أنفسهم ﴿وَ﴾ بما ﴿كانُوا يَعْتَدُونَ﴾ في حقوق غيرهم ، ويظلمون النّاس ، فإنّ عصيانهم أحكام الله واعتداءهم على عباده جرّهم إلى الكفر بآيات الله وقتل النبيّين لوضوح أنّ صغار الذنوب تؤدّي إلى كبارها.
عن ( الكافي ) و( العياشي ) : عن الصادق عليهالسلام أنّه تلا هذه الآية ، فقال : « والله ما ضربوهم بأيديهم ، ولا قتلوهم بأسيافهم ، ولكن سمعوا أحاديثهم فأضاعوها ، فاخذوا عليها فقتلوا ، فصار قتلا واعتداء ومعصيتة » (٢) .
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ
__________________
(١) تفسير روح البيان ١ : ١٥١.
(٢) الكافي ٢ : ٢٧٥ / ٦ ، تفسير العياشي ١ : ١٣٥ / ١٥٥.