فلا دلالة في الآية على حجّيّة الإجماع كما ادّعاها بعض العامّة ، إلّا من جهة اشتماله على قول المعصوم أو كشفه بالحدس القطعيّ عن موافقة قول المجمعين لقول رئيسهم ، ووافقنا الفخر الرّازي وبعض آخر من العامّة في القول بعدم حجّيّة الإجماع إلّا من جهة اشتماله على قول من هو الوسط في الامّة ، وقالوا : إنّا لمّا لا نعرف من يكون بهذه الصّفة ، نحتاج إلى الاتّفاق ، إلّا انّهم فارقونا في أنّهم لا يعرفونه بوجه ، ونحن بحمد الله ومنّته نعرفه باسمه ونسبه عليهالسلام.
وممّا يدلّ على أنّ المراد من الامّة الوسط خصوص الهداة المعصومين قوله تعالى : ﴿لِتَكُونُوا﴾ يوم القيامة ﴿شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ﴾ من سائر الامم بأنّ الرسل بلّغوهم في الدنيا وبيّنوا لهم الحقّ والدّين.
في رواية ( المناقب ) قال : « ولا يكون الشهداء على النّاس إلّا الأئمّة والرّسل ، فأمّا الأمّة فإنّه غير جائز أن يستشهدها الله تعالى وفيهم من لا تجوز شهادته في الدنيا على حزمة بقل » (١) .
روي أنّ الامم يجحدون يوم القيامة تبليغ الأنبياء ، فيطالب الله تعالى الأنبياء بالبيّنة على أنّهم قد بلّغوا ، وهو أعلم ، فيؤتى بأمّة محمّد صلىاللهعليهوآله فيشهدون لهم ، وهو صلوات الله عليه يزكّيهم (٢) ، وذلك قوله تعالى : ﴿وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً﴾
وقيل : إنّ المراد : لتكونوا شهداء في الدنيا على النّاس (٣) - أي حججا عليهم - تبيّنون لهم الحقّ والدّين ، ويكون الرّسول عليكم شهيدا ومؤدّيا للشّرع ومبيّنا لكم أحكام دينه.
ثمّ بيّن الله تعالى حكمة جعل بيت المقدس قبلة للمسلمين بقوله : ﴿وَما جَعَلْنَا﴾ القبلة للصّلاة ﴿الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ﴾ مستقرا ﴿عَلَيْها﴾ وهي بيت المقدس لشيء من الأشياء ووجه من الوجوه ﴿إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ﴾ من المسلمين ﴿الرَّسُولُ﴾ ونميّزه ﴿مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ﴾ ويرتدّ عن دينه الحقّ ، ويرجع القهقرى إلى كفره السابق.
عن ( تفسير الإمام ) و( الاحتجاج ) : عنه عليهالسلام : « يعني إلّا لنعلم ذلك منه موجودا بعد أن علمناه سيوجد. قال : وذلك أنّ هوى أهل مكّة كان في الكعبة ، فأراد [ الله ] أن يبيّن متبع (٤) محمّد صلىاللهعليهوآله ممّن
__________________
(١) مناقب ابن شهر آشوب ٤ : ١٧٩.
(٢) تفسير الرازي ٤ : ١٠٠.
(٣) تفسير أبي السعود ١ : ١٧٣.
(٤) في الاحتجاج : متبعي.