خالفه (١) باتّباع القبلة الّتي كرهها ومحمّد صلىاللهعليهوآله يامره (٢) بها. ولمّا كان هوى أهل المدينة في بيت المقدس أمرهم بمخالفتها والتوجّه إلى الكعبة ، ليتبيّن من يوافق محمّدا عليهالسلام فيما يكرهه وهو مصدّقه وموافقه » (٣) .
وروى بعض العامّة أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله قبل الهجرة يصلّي إلى الكعبة ، ثمّ بعد الهجرة - لكون غالب أهل المدينة اليهود - حوّل القبلة إلى بيت المقدس تأليفا لهم ، ثمّ رجع إلى القبلة التي كان عليها وهي الكعبة (٤) .
وعلى هذا حصل الامتحان المذكور في الآية بمجموع التّحويلين ، حيث إنّ العرب بتحويل القبلة إلى بيت المقدس ، واليهود بتحويلها عنه إلى الكعبة ، صاروا منزجرين عن النبيّ صلىاللهعليهوآله ودينه.
ونقل أنّه رجع جمع عن الإسلام وقالوا : لو كان محمّد على يقين من أمره لما تغيّر رأيه. وكانوا يقولون : مرّة هاهنا ومرّة هاهنا ! وقال المشركون : تحيّر محمّد في دينه. وقال اليهود : اشتاق إلى بلد أبيه ومولده (٥) ! ولذا قال تعالى : ﴿وَإِنْ كانَتْ﴾ التولية من قبلة إلى قبلة ، أو القبلة المحوّلة أو الصّلاة إلى بيت المقدس ﴿لَكَبِيرَةً﴾ وثقيلة مستنكرة على طباع جميع النّاس ﴿إِلَّا عَلَى﴾ طباع ﴿الَّذِينَ هَدَى اللهُ﴾ قلوبهم ، وعرّفهم بقوّة عقولهم وتنوّر بصائرهم أنّ المصالح تتغيّر بتغيّر الأوقات والأشخاص وسائر الجهات ، وأنّه تعالى يتعبّد العبيد بخلاف ما يريدونه ليبتلي طاعتهم في مخالفة هوى أنفسهم.
ثمّ وعد المؤمنين الثابتين على الإيمان والمطيعين للرّسول صلىاللهعليهوآله في الصّلاة إلى بيت المقدس بقوله : ﴿وَما كانَ اللهُ﴾ وليس من شأنه ﴿لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ﴾ وثباتكم على تصديق الحقّ أو صلاتكم التي صلّيتم إلى الصّخرة.
عن الصادق عليهالسلام في رواية : « ولمّا أن صرف نبيّه صلىاللهعليهوآله إلى الكعبة عن بيت المقدس ، قال المسلمون للنبيّ صلىاللهعليهوآله : أ رأيت صلواتنا الّتي كنّا نصلّي إلى بيت المقدس ، ما حالنا فيها وحال من مضى من أمواتنا وهم يصلّون إلى بيت المقدس ؟ فأنزل الله ﴿ما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ﴾ فسمّى الصّلاة ايمانا. فمن لقي الله حافظا لجوارحه ، موفيا كلّ جارحة من جوارحه ما فرض الله عليه ، لقي الله مستكملا لإيمانه
__________________
(١) في تفسير العسكري عليهالسلام : من مخالفه.
(٢) في تفسير العسكري عليهالسلام والاحتجاج : يأمر.
(٣) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليهالسلام : ٤٩٥ / ٣١٢ ، الاحتجاج : ٤٢.
(٤) تفسير الكشاف ١ : ٢٠٠ ، تفسير الرازي ٤ : ١٠٣.
(٥) تفسير الرازي ٤ : ١٠٤.