وفي رواية عن الرّضا عليهالسلام أنّه سئل عمّا يرويه النّاس من أمر الزّهرة ، وأنّها أمرأة فتن بها هاروت وماروت ، وما يروونه من أمر سهيل وأنّه كان عشّارا باليمن ؟ !
فقال عليهالسلام : « كذبوا في قولهم إنّهما كوكبان ، إنّهما كانتا دابّتين من دوابّ البحر ، فغلط النّاس وظنّوا أنّهما الكوكبان ، وما كان الله عزوجل ليمسخ أعداءه أنوارا مضيئة ثمّ يبقيها ما بقيت السّماوات والأرض ، وأنّ المسوخ لم تبق أكثر من ثلاثة أيام حتّى ماتت ، وما تناسل منها شيء ، وما على وجه الأرض اليوم مسخ ، وإنّ الذي وقع عليه اسم المسوخيّة مثل القرد والخنزير والدّبّ وأشباهها إنّما هي مثل ما مسخ الله عزوجل على صورها قوما غضب الله عليهم ولعنهم بإنكارهم توحيد الله وتكذيبهم رسله.
وأمّا هاروت وماروت ، فكانا ملكين علّما النّاس السّحر ليحترزوا به عن سحر السّحرة ويبطلوا به كيدهم » (١) الحديث.
ولا يخفى أنّ الرّوايات التي تكون موافقة لما اشتهر بين العامّة ، لا بدّ من حملها على التقيّة لمخالفتها الكتاب والعقل.
وقال بعض العامّة : إنّ مدارها ماروته اليهود (٢) . وأمّا توجيهها بالذي تكلّفه الفيض رحمهالله (٣) وبعض العامّة ، ففي غاية البعد (٤) . وحملها على كونها أسرارا لا يناسب رواتها كعطاء (٥) وابن الكوّاء (٦) لبداهة عدم كونهما من أهل السّرّ والفهم.
والحاصل : أنّ الروايات الدالّة على عصيان الملكين بالشّرك والزنا وشرب الخمر وقتل النّفس ومسخ الزّهرة ، ممّا يجب ردّها أو ردّ علمها إليهم عليهمالسلام لو لم يمكن حمل جميعها على التقيّة.
﴿وَما يُعَلِّمانِ﴾ السّحر وإبطاله ﴿مِنْ أَحَدٍ﴾ من النّاس ﴿حَتَّى يَقُولا﴾ للمتعلّم : إعلم ﴿إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ﴾ وامتحان من الله للعباد ، ليعلم من يطيعه فيما يتعلّم بإعماله في إبطال السّحر ممّن يعصيه
__________________
(١) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ١ : ٢٧١ / ٢.
(٢) تفسير أبي السعود ١ : ١٣٨ ، تفسير روح البيان ١ : ١٩١.
(٣) قال الفيض رحمهالله : وأما ما كذبوه من أمر هاروت وماروت ومسخ زهرة وقصّتهم المشتهرة بين النّاس فقد ورد عنهم عليهمالسلام في صحتها أيضا روايات ، والوجه في الجمع والتوفيق أن تحمل روايات الصحة على كونها من مرموزات الأوائل واشاراتهم وإنهم لما رأوا أن حكاتها كانوا يحملونها على ظاهرها كذبوها ولا بأس بايرادها وحلها فان هاهنا محلها. الصافي ١ : ١٥٦ و١٦٠.
(٤) تفسير روح البيان ١ : ١٩١.
(٥) تفسير العياشي ١ : ١٤٥ / ١٨٠.
(٦) تفسير العياشي ١ : ١٤٩ / ١٨١.