العبوديّة من التلاوة وسائر الطاعات ، كمال وجوده وقوّة نفسه ، بقوله بقصد الإنشاء والدعاء : « أسم نفسي بسمة الله » أي اللهمّ أعلم نفسي بعلامتك ، وأكمل فيض الوجود فيّ بجودك وفيّاضيّتك.
وهذا السؤال والطلب ملازم للاستعانة ومساو لها ، كما أنّ إفاضة الفيّاض عليه إجابة منه وإعانة ، فتكون الاستعانة باسم الله مدلولا التزاميّا لقوله : أسم نفسي بسمة الله.
ولعلّه لكون مفهوم الاستعانة أقرب إلى أفهام العامّة ، فسّر ﴿بِسْمِ اللهِ*﴾ في بعض الروايات بقوله : أستعين بالله (١) ، ثمّ يمكن على هذا التفسير أن يكون وجه تعليق الاستعانة بالاسم مع أنّها في الواقع بالمسمّى ، وهو ذاته سبحانه وتعالى ، أنّ فيه نوع تأدّب في التعبير ، أو الإشارة إلى أنّ أسماء الله تعالى من جهة حكايتها عن الذّات المقدّسة واتّحادها معها اتّحاد الكاشف مع المكشوف ، لها قوّة نورانيّة وكمال وجوديّ به تكون مؤثّرات في الوجود ، ويكفي العبد أن يستعين بها ويطلب القوّة على العمل بذكرها.
وعن ( التوحيد ) : عن الباقر عليهالسلام في تفسير لفظ الجلالة ، قال : « الله معناه المعبود الذي أله الخلق عن درك ماهيّته والإحاطة بكيفيّته ، ويقول العرب : أله الرجل ، إذا تحيّر في الشيء فلم يحط به علما. ووله : إذا فزع إلى شيء ممّا يحذره ويخافة » (٢) .
وروي أنّ رجلا قام إلى أمير المؤمنين عليهالسلام فقال : يا أمير المؤمنين ، أخبرني عن ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*﴾ ما معناه ؟ فقال : « إنّ قولك : الله أعظم [ اسم ] من أسماء الله عزوجل ، وهو الاسم الذي لا ينبغي أن يسمّى به غير الله ، ولم يتسمّ به مخلوق » .
فقال الرجل : بما يفسر قوله : الله ؟ قال عليهالسلام : « هو الذي يتألّه إليه عند الحوائج والشدائد كلّ مخلوق عند انقطاع الرّجاء من جميع من [ هو ] دونه » (٣) الخبر.
في أنّ اسم الجلالة علم لذاته تعالى أقول : وإن كان الظاهر من الرّوايتين أنّ معنى اللفظ المبارك معنى اشتقاقيّ إلا أنّ الحقّ أنّه علم للذّات المقدّسة ، لعدم استعماله وصفا ، بل هو في جميع الاستعمالات يكون موصوفا ، ولعدم صراحة دلالة كلمة الإخلاص - وهي : لا إله إلّا الله - على التوحيد إلّا إذا كان لفظ الجلالة علما ، ولبعد أن يكون للذّات المقدسة في سائر اللغات علم مخصوص دون اللّغة العربيّة التي هي أوسع من سائر اللغات وأكملها وأشرفها.
وعلى هذا فلا بدّ من حمل الروايات على بيان وجه مناسبة المعاني الاشتقاقيّة لوضعه العلميّ ، وإنّ
__________________
(١) راجع : التوحيد ٢٣٠ / ٥.
(٢) التوحيد : ٨٩ / ٢.
(٣) التوحيد : ٢٣١ / ٥.