في تفسير
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيم
عن الرضا عليهالسلام عن آبائه عليهمالسلام « أنّه مكتوب في التوراة التي لم تغيّر : أنّ موسى سأل ربّه ، فقال : يا ربّ أقريب أنت منّي فأناجيك ، أم بعيد فأناديك ؟ فأوحى الله عزوجل [ إليه ] : يا موسى أنا جليس من ذكرني (١) .
ولمّا كان الكفّار والمشركون يبدأون بأسماء آلهتهم ، فيقولون : باسم اللات والعزّى ، فعلّم الله الموحّدين أن يقولوا عند شروعهم في أمر ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*﴾
قيل : إنّ الله تعالى افتتح كتابه الكريم بأوّل ما جرى به القلم في اللوح المحفوظ ، وأوّل ما نزل على آدم عليهالسلام (٢) .
وفي ( الكافي ) عن الباقر عليهالسلام : « أوّل كلّ كتاب نزل من السّماء ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*﴾(٣) .
وعن الرضا عليهالسلام : في تفسير ﴿بِسْمِ اللهِ*﴾ قال : « يعني أسم [ على ] نفسي بسمة من سمات الله ، وهي العبادة » قيل له : ما السّمة ؟ قال : « العلامة » (٤) .
تحقيق بالتفكر فيه حقيق
أقول : توضيح ذلك أنّ حقيقة العبوديّة وهي الفناء والعجز والحاجة والتّبعيّة والانقياد ، وهي علامة الربوبيّة التي هي كمال الوجود والوجوب والغنى والجود والسلطنة والمولويّة ، فإذا حصل في العبد نور العبوديّة ، ظهرت فيه آية الربوبيّة ، فمن وسم نفسه بسمة العبوديّة - وهي حالة العجز والحاجة والرّجاء والفقر والعدم والفناء - فقد وسم نفسه بسمة الله ، حيث إن المخلوق ليس من جهة نفسه وذاته إلّا العدم والقابليّة لقبول فيض الحقّ وفعله وعطائه وإنعامه ، ويعبّر عن هذه الحيثيّة بالذّات والماهيّة ، وما سواها ليس إلّا فيض الوجود وهي آية الحقّ وتجلّيه.
وكما أنّ جهة ذاته جهة الأنانيّة ، ومناط الاحتجاب ، ومبدأ كلّ شرّ ، يكون فيض الوجود - وهو جهة الربوبيّة - مبدأ كلّ خير ، فكلّما اشتدّت فيه هذه الجهة كملت الذّات وكثرت منها الخيرات ، لأن كلّ خير من آثار الوجود الذي هو بإفاضة الله وجوده ، فعلى العبد أن يسأل حين إرادة القيام بوظائف
__________________
(١) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ١ : ١٢٧ / ٢٢ « نحوه » ، الكافي ٢ : ٣٦٠ / ٤ عن الباقر عليهالسلام.
(٢) تفسير روح البيان ١ : ٦.
(٣) الكافي ٣ : ٣١٣ / ٣.
(٤) معاني الأخبار : ٣ / ١.