بعد مقام الجمع
المحض والفناء المطلق والوحدة الصّرفة إلى هذا المقام الذي هو محو وفرق باعتبار.
وهذا المقام وإن
كان في بادئ النظر مقاما واحدا لكنّه في الحقيقة مقامان :
أحدهما : أن يكون فيه الكثرة مرآتا للوحدة ويرى فيه الحقّ ظاهرا
والخلق باطنا ، كما أنّ الصور المنطبعة في المرآة يشاهد أوّلا ثمّ المرآة ثانيا ؛
ولهذا الاعتبار يسمّى في عرفهم بقرب النوافل ، كما ورد في الخبر : «لا يزال العبد
يتقرّب إلى بالنوافل حتّى أحببته ؛ فكنت سمعه الذي يسمع بي وبصره الذي يبصر بي» الحديث.
وحاصله : أنّ العبد إذا رأى كلّ كمال مستهلكا و/ A ١١٢ / مستغرقا في كماله تعالى الذي هو عين ذاته لم يكن في نظره
كمال إلّا هو ؛ فصار الحقّ في جميع كمالاته من الوجود والسمع والبصر واليد والعلم
والقدرة وغيرها لرجوع كلّها في نظره إلى كمال الحقّ الذي هو عين ذاته ؛ فيصير
العبد متخلّقا بأخلاق الله تعالى بالحقيقة وينظر في كلّ شيء إلى الحقّ أوّلا وإلى
الخلق ثانيا.
[ثانيهما :] أن تكون الوحدة فيه مرآة للكثرة ويرى فيه الخلق ظاهرا
والحقّ باطنا ، كما أنّ أمر المرآة والمرئي كذلك ؛ وبهذا الاعتبار يسمّى عند بعضهم
بقرب الفرائض لما ورد في الخبر أنّه تعالى يقول على لسان عبده : «سمع الله لمن
حمده» وعلى هذا فيرى الوحدة في الكثرة والخلق ظاهرا والحقّ باطنا ؛ وعلى هذا
فالمقامات الحاصلة في التوحيد الوجودي الذاتي بحسب جليل النظر ثلاثة :
__________________