كونه أفضل وأشرف منه بمراتب شتّى وكذا إذا حصل لهم التوجّه التامّ إلى العالم العلوي يحتاجون في هبوطهم ونزولهم إلى جذب جاذب من السفليات وقول النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لبعض أزواجه : «كلّميني» أو «اشغلني» كان لهذا.
وبالجملة : لمّا كان للأنبياء عليهمالسلام ملكة الاتّصال بكلّ من العالمين ؛ فإذا حصل لهم اتّصال بأحدهما لا يمكنهم الصعود والهبوط منه إلّا بإعانة واحد من أهل العالم الآخر من ملك روحاني يذكّر رؤيته العالم العلوي ويشوّقه إليه ويزيل ميله إلى العالم الدنيا الحسّي أو شخص جسماني يوجب تكلّمه أو رؤيته السقوط عن الروحانيات والركون إلى الجسمانيات.
[في الفرق بين مذهب العرفاء والأشاعرة في التوحيد الأفعالي]
إيّاك أن تتوهّم ممّا قرّرناه لك في توحيد الأفعال أنّه مذهب الأشاعرة ولا تفاوت بينهما إلّا بالعبارة حيث إنّ مبنى التوحيد الوجودي الأفعالي على أنّ جميع الأفعال مستهلكة في فعله تعالى وتأثيره ، ومضمحلّة في جنب فاعليته المطلقة ولا فاعل إلّا هو ولا مؤثّر في الوجود إلّا هو ؛ والأشاعرة أيضا يقولون : «أن لا فاعل ولا مؤثّر في الوجود إلّا هو» واستندوا جميع الأفعال حتّى قبائح أفعال العباد إليه تعالى وقالوا : «إنّ ذوات العباد كالآلات لأفعاله تعالى» وهذان القولان مبناهما واحد ؛ فقول العارفين في التوحيد الوجودي الأفعالي يرجع إلى قول الأشاعرة ؛ وهو باطل لاستلزامه بطلان الثواب والعقاب وكون التكليف وإرسال الرسل وإنزال الكتب عبثا وصدور العبث من الحكيم قبيح ؛ لأنّ بين الكلامين غاية البعد بحسب المعنى والمقصود وإن توهّم في بادئ النظر / B ١١٦ / قرب بينهما بحسب اللفظ ؛ إذ المراد بالتوحيد العياني هو مشاهدة وجود الحقّ وصفاته وأفعاله