طبقاتهم (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها) (١) ويحسّ (٢) شوقا إليها ويجتهد ويسعى في الوصول لديها (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) (٣).
فالواجب سبحانه أوّل الأوائل من جهة وجوده وذاته وكونه علّة فاعلية لجميع ما سواه وعلّة غائية لإيجاد الكلّ ، وآخر الأواخر من جهة كونه غاية أخيرة يقصده الأشياء ويتشوّق إليه إرادة وطبعا ويتحرّك ويسعى في التشبّه به والوصول إليه بقدر الإمكان والمتصوّر في حقّ كلّ منها ؛ لأنّه الوجود الحقّ والخير المطلق والكمال التامّ وفوق التمام والمعشوق الحقيقي والمقصود الأصلي ؛ فمصحّح الاعتبار الأوّل ذاته بذاته ومصحّح الثاني صدور الأشياء عنه على وجه يلزمها عشق يقتضي حفظ كمالاتها الأوّلية والشوق إلى تحصيل ما فقد عنها من الكمالات الثانوية لتشبه بمبدئها بقدر الإمكان.
[في حياته تعالى]
اتّفق الكلّ على أنّه سبحانه حيّ وقد تواتر من شرايع الأنبياء إطلاق الحياة عليه تعالى وهي في الحيوان صفة تقتضي الحسّ والحركة الإرادية. فالحياة بهذا المعنى يتمّ بإدراك هو الإحساس وفعل هو التحريك منبعثين عن قوّتين مختلفتين ؛ ولا ريب في تنزيهه تعالى عن الحياة بهذا المعنى ؛ ولا يمكن أيضا أن تكون حياته صفة زائدة عن ذاته توجب العلم والقدرة ، كما ذهب إليه الأشاعرة.
فالحقّ ـ كما ذهب إليه الحكماء وبعض المعتزلة ـ أنّ حياته تعالى كونه بحيث يصدر عنه العلم والفعل. فالحيّ هو الدرّاك الفعّال بمعنى أنّ ذاته بذاته مبدأ ومنشأ للدرك والفعل ؛ فإنّه لا ريب في أنّ الحياة مبدأ (٤) للأفعال والآثار الصادرة عن الحيّ
__________________
(١). البقرة / ١٤٨.
(٢). س : يخس.
(٣). الإسراء / ٤٤.
(٤). س : بعد.