الفرق والجمع وجمع الجمع ؛ وبحسب الدقيق منه أربعة نظرا إلى كون الثالث مقامين ؛ وهذه الأقسام إنّما هي بحسب المراتب الطولية وكلّ منها له عرض عريض ومراتب متنازلة ومتصاعدة ويختلف بحسب اختلاف أحوال السلّاك وفي كلّ منها يرى السالك وجودات الممكنات وذواتهم بأسرها مستغرقة في جنب ذاته سبحانه.
وبتقرير آخر : نقول (١) أنّ العارف السالك إذا ترقّى في السلوك والسير ، وتدرّج في مراتب القرب ونفى الغير ، يرى بعين العيان أنّ محقّق الحقائق ومذوّت الذوات هو الوجود الواحد الحقّ ، ووجودات الممكنات أظلاله وفروعه وتجلّياته وشئونه ؛ ولو لا ارتباطها بأصلها لكانت كلّها باطلة هالكة زائلة ؛ وإذا عبر عن مراتب الكثرات الصورية والمعنوية يصل إلى مقام التوحيد الذاتي العياني ويشاهد الحقّ في الكلّ ولاحظ الكلّ قائما بالحقّ وارتفع الحجب عن عين بصيرته ؛ فيشاهد في جميع الأشياء بالنظر الأوّل نور الوجود الواحد المطلق ؛ ويرى الحقّ في الكلّ ظاهرا والخلق باطنا ؛ ويكون الخلق عنده / B ٢١١ / مرآة للحقّ كما هو شأن المرآة والمرئي في الظهور والبطون ؛ ولذا إذا لوحظ شبح من بعيد يلاحظ أوّلا موجوديته ثمّ ساير أحواله ؛ وهذا هو مقام جمع الجمع بالمعنى الأوّل من المعنيين المذكورين ويقول صاحبه : «ما رأيت شيئا إلّا ورأيت الله قبله» ويسمّى صاحبه بذي العين.
وقد يشاهد هذا السالك أوّلا الخلق ثمّ الحقّ ويكون الحقّ عنده مرآة للخلق والخلق ظاهرا والحقّ باطنا عكس المقام الأوّل ويقول صاحبه : «ما رأيت شيئا إلّا ورأيت الله بعده» لأنّ الوجود الحقيقي لمّا احتجب ظهوره في حجب التعيّنات واستتر لغاية جلاله صار التعيّنات كالحجاب (٢) له ؛ ولذا يقع النظر الأوّل إلى الحجاب
__________________
(١). س : يقول.
(٢). س : ما كالحجاب.