[في استحالة إدراك الواجب إلّا بتوسّط المجالي ، لشدّة ظهوره]
الواجب صرف الوجود والظهور وبحت الإنّية والنور ؛ ولشدّة ظهوره لا يمكن إدراكه إلّا بتوسّط المظاهر والمجالي. أولا ترى أنّ بعض الأنوار الحسّية كالنور الشمسي مثلا مع كونه من أنزل مراتب تنزّلات النور الحقيقى قد بلغ من شدّة الظهور والإشراق بحيث لا يدركه الأبصار سيّما أبصار الغوامش والخفافيش ؛ وبهذا الاعتبار صار مخفيّا ومحجوبا لكنّه بحيث إذا ارتبط بالأشباح والأظلال واشتبك مع الأعدام والظلام بحسب أطواره وتنزّلاته ومراتبه ودرجاته واحتجب بالحجب بحسب شئونه واعتباراته صار بحيث يمكن أن يدركه الأبصار بحسب استعداداتها.
وكلّ من تلك الأنوار المشتبكة فائضة من نور الشمس وموجودة بواسطته ؛ فهي مظاهرها ووسائط ظهورها وأدلّة وجودها ولو لم يكن ذلك الارتباط والاشتباك لم يكن لنور الشمس ظهور في الأبصار مع أنّها في حدّ ذاتها في غاية الظهور والجلاء وأنّ تلك الأظلال والأشباح فاقدة للنور في أنفسها وأنّ الشمس إذا ظهرت بنفسها لم يبق لها نور ووجود وإن كان ظهور نور الشمس بها مع أنّ ظهورها بحسب الحقيقة بنورها ؛ فصارت غاية الظهور والجلاء سببا للبطون والخفاء ؛ والارتباط والاشتباك بالحجب والأستار موجب للبروز والانجلاء ؛ وهذه (١) الانوار بحسب السنخ والأصل واحدة وبحسب المظاهر والمجالي متكثّرة.
فكذلك صرف الوجود الحقّ مع كونه في غاية الجلاء والظهور ، بل عين الظهور والنور ومنه يفاض كلّ نور ووجود ، بلغ من شدّة الظهور والنورية حدّا لا يمكن
__________________
(١). س : هذ.