كانت الماهيّات في أنفسها أعداما صرفة تتراءى فيها تلك الوجودات الممتزجة بأعدام النقائص وفقد الكمالات ؛ وكما لا يمكن أن تتكرّر صورة المرئي في المرآة الواحدة فكذلك لا يمكن أن يتكرّر ظهور الوجود المقيّد في الماهيّة ، كما شاع من الصوفية أنّ الله تعالى لا يتجلّى في صورة مرّتين ؛ وكما لا يمكن أن يظهر في المرآة صرف النور الغير الممازج بلون الظلمة والكثافة / A ٥٩ / فكذلك لا يمكن أن يظهر في الماهيّة صرف الوجود الحقّ المعرّى في ذاته بذاته عن التقيّد والظلمة اللذين هما بمنزلة الصبغ واللون.
[في أنّه تعالى أصل الكلّ ومبدؤه وموجد الجميع ومنشئوه ، وفي أنحاء تجلّياته ومظاهره]
ذات الله الذي هو بذاته محض الوجود وصرف الإنّية والنور ، بحت الغيب وغيب الغيوب ، بل فوق كلّ غيب وظهور ، ومظهر أسمائه الحسنى وصفاته العليا ، ومنبع كلّ بهاء وكمال ، ومنشأ كلّ حسن وجمال ، أصل كلّ أصل وفرع ، ومصدر كلّ أثر وفعل ، تجلّى من المرتبة الأحدية الذاتية وغيب الهويّة الواجبية إلى المرتبة الإلهية وحضرة الأسماء والصفات الجلالية إجمالا وتفصيلا وجمعا وفرادى على نحو لا يعرفه (١) العارفون ، بل يعجز عن معرفته الراسخون.
فكما أنّ ذاته بذاته وجود وموجود باعتبار ، فكذلك علم وعالم باعتبار ، وقدرة وقادر باعتبار إلى آخر صفاته العليا وأسمائه الحسنى على الترتيب العقلي الواقعي ؛ فإنّ العقل يلاحظ أوّلا ذاته الموجودة ووجوده ثمّ الحيّ وحياته ثمّ العالم وعلمه ثمّ القادر وقدرته إلى آخر الأسماء والصفات ثمّ تجلّى من تلك الحضرة
__________________
(١). س : يعرفة.