بذاته لانتزاع العامّ دفعا للدور والتسلسل ؛ ولا تكون له ماهيّة لما مرّ ؛ فهو صرف الوجود الحقّ الواجب بذاته.
[في برهان آخر على أصالة الوجود]
حقيقة كلّ موجود هو وجوده الخاصّ ، وهو الأصل في الجعل والتحقّق ؛ والماهيّة والعامّ منتزعان / A ٢ / عنه ؛ إذ الماهيّة المقابلة للوجود ليس الوجود عينا لها وهو ظاهر ؛ ولا جزءا لها وإلّا لم يصحّ تجريدها عنه وتعلّقها بدونه ؛ فهي كالعامّ اعتبارية ؛ فتحصّل المتحصّل منهما محال ؛ إذ ضمّ الاعتباري إلى مثله لا يفيد إلّا الاعتباري ؛ وأيضا ممتنع تحقّق الاعتباري بنفسه ، بل لا بدّ أن ينتزع عن غيره.
فلا بدّ في كلّ موجود من أمر آخر متحقّق بنفسه أوّلا بدون العلّة أو بعد صدوره عنها ، وهو الوجود الخاصّ.
ولا تظنّ أنّ تحقّق الوجود بنفسه هو بعينه وجوبه بذاته ؛ إذ معنى وجوبه بذاته كونه مقتضى ذاته من دون حاجة إلى فاعل وقابل ؛ ومعنى تحقّقه بنفسه عدم توقّف تحقّقه على وجود آخر يقوم به ولو كان صادرا عن علّة ، بخلاف غير الوجود ، فإنّ تحقّقه فرع وجود يتّصف به أو ينتزع عنه ؛ فلا يتمّ إلّا بتأثير الفاعل في وجوده واتّصافه به.
فالحاصل : أنّ الماهيّات لعدمها الأصلي واعتباريتها يفتقر في تحقّقها إلى محقّق ؛ وتحقّقها بالعلّة ما لم ينضمّ إليها شيء آخر محال ؛ وبالعامّ كذلك ؛ إذ الاعتباري لا يكون محقّق الحقائق ومذوّت الذوات. فيكون بأمر ثابت متحقّق بنفسه بعد صدوره عن العلّة ؛ وما هو إلّا الوجود الخاصّ.
وأيضا : العامّ اعتباري منتزع ، والمناسبة بين المنتزع والمنتزع عنه لازمة ، والماهيّة لعدمها الذاتي لا تصلح لمنشئية الانتزاع ؛ فلا بدّ من تحقّق شيء بالجعل