وأمّا التكلّم بالمعني الثاني ـ أي إحداث الصوت والحروف بالفعل لإعلام الغير ـ فلا ريب في حدوثه وثبوته بالشرع دون العقل ؛ إذ لا طريق للعقل إلى إثبات تحقّق الإلقاء الفعلي عنه سبحانه وإنّما عرف من الشريعة النبوية بما ورد فيها بالتواتر القطعي المؤكّد بالمعجزات من أنّ الواجب تعالى أنزل ما أنزل من الكتب إلى أنبيائه وأوجد الكلام في ما أوجد لإعلام بعض أصفيائه.
وبعد ثبوت التكلّم بالمعني الثاني يثبت الكلام بالمعني الثالث أيضا ؛ لأنّ (١) التكلّم الفعلي لا ينفكّ عمّا به التكلّم من الأصوات والحروف ؛ فهو أيضا حادث.
وبما ذكر ظهر أنّ قول العلّامة الطوسي : «وعمومية قدرته يدلّ على ثبوت الكلام» إشارة إلى إثبات الكلام بالمعنى الأوّل ؛ يعني أنّ قدرته شاملة لجميع الممكنات ومن جملتها إلقاء الكلام ـ بمعنى الحروف والأصوات ـ الدالّ على المعنى المراد إلى الغير ، لأنّ إعلامه (٢) بعموم قدرته يدلّ على الكلام بمعنى قوّة الإلقاء ، والثابت من عبارته إنّما هو هذا المعنى فقط وأمّا التكلّم بمعنى نفس الإلقاء المستلزم لما به التكلّم إنّما يثبت من الشرع.
فبالعقل والشرع يثبت الكلام بمعانيه الثلاثة ؛ أعني قوّة الإلقاء الثابت بالفعل ونفس الإلقاء وما به التكلّم اللازم له ، وهما ثابتان بالشرع.
[في ابتهاجه تعالى وحبّه]
أجلّ مبتهج بشيء هو الواجب تعالى ؛ أي هو مبتهج بذاته وصفاته وأفعاله من حيث إنّها صادرة منه ومترشّحة عنه ابتهاجا لا يمكن حصول شبهه وما يدانيه ، بل ما له نسبة متناهية إليه لأحد من الذوات النورية والجوهر القدسية والعقول القادسة والنفوس الكاملة ؛ والمراد بابتهاجه نظير ما يعبّر عنه في حقّنا باللذّة
__________________
(١). ن : ان.
(٢). س : الغير لا علامه.