منشأ انتزاع هذه الماهيّة العقلية وهو الحقيقة الخارجية ؛ فللزوم أن نقول : إنّه متحقّق في الخارج بالأصالة وليس هو صرف الوجود. فيكون ماهيّة خارجية. فالماهيّة إمّا عقلية غير متحقّقة في الخارج أو خارجية متحقّقة فيه ويعبّر عنها بالحقيقة.
قلنا : هذه الحقيقة الثانية التي عبّرت عنها بالماهيّة الخارجية لا يمكن أن يكون شيئا مقابلا للوجود ـ أي معرّى عنه ـ ومع ذلك كان له تحقّق خارجي. فتحقّقها فرع ارتباطها / A ٣ / بالوجود.
وقد عرفت أنّ مجرّد العامّ الاعتباري لا يمكن أن يحصّلها في الخارج ؛ فلا بدّ أن يكون فيه شيء متحقّق قائم بنفسه لا يفتقر في تحقّقه إلى شيء آخر حتّى يكون محقّقا لها ؛ وما هذا شأنه ـ أي متحقّق بنفسه مع قطع النظر عن ماهيّته ووجوده (١) ـ ليس إلّا الوجود الخاصّ ؛ لعدم الواسطة بين الماهيّة والوجود ؛ فإذ ليس هذه فهذا. فالحقيقة الخارجية التي منشأ انتزاع الماهيّة ليس إلّا الوجود الخاصّ ؛ فهو المتحقّق والماهيّة من شئونه المنتزعة عنه.
[في استحالة تصوّر صرف الوجود]
قد دريت أنّ صرف الوجود لا يمكن تعقّله ؛ إذ حقيقته أنّه في الأعيان ؛ فلا يمكن أن يوجد في الأذهان كما صرّح به صاحب التحصيل وغيره من أساطين الحكمة والعرفان.
وأمّا الوجودات الخاصّة الممكنة وإن أمكن أن تنفكّ عن الكون العيني إلّا أنّها أيضا مجهولة الكنه غير ممكنة التصوّر ؛ لعدم تركّبها من جنس وفصل ، كما يأتي.
وأيضا : تصوّر الشيء إمّا حصول صورته أو نفسها ؛ وصورته إمّا شبحه ـ كما ذهب إليه أهل الأشباح ـ أو ماهيّته المعرّاة عن الوجود الخارجي ـ كما اختاره
__________________
(١). س : + اخر.