[في التكثّر والتشكيك في الوجود عند أهل الوحدة]
ما ذكرناه هو مختار الحكماء وأمّا أهل الوحدة فينفون التكثّر الحقيقي عن الوجود والموجود ، وينكرون التعدّد والاختلاف بتمام الحقيقة ومع ذلك يثبتون التشكيك في الوجود ؛ ولمخالفة ذلك لما تحكم به البديهة من تكثّر الموجودات بالحقيقة وجّهه بعضهم بأنّ مرادهم من الوجود الواحد هو حقيقة العامّ البديهي ـ أعني معروضه الحقيقي ـ ولكن لا بشرط التعيّن بالماهيّات وعدمه ؛ والواجب تلك الحقيقة لا بشرط عند الصوفي وبشرط لا عند الحكيم. فكما يجوز أن يكون هذا المفهوم العامّ زائدا على الوجود الواجب والوجودات الخاصّة الممكنة على تقدير كونها حقائق مختلفة ـ كما هو مذهب الحكيم ـ يجوز أن يكون زائدا على حقيقة واحدة مطلقة موجودة هي حقيقة الوجود الواجب ـ كما ذهب إليه الصوفية ـ ويكون هذا المفهوم الزائد اعتباريا غير موجود إلّا في العقل ويكون معروضه موجودا حقيقيا خارجيا هو حقيقة الوجود ؛ والتشكيك الواقع فيه لا يدلّ على عرضيته بالنسبة إلى أفراده ؛ أي تلك الحقيقة المتعدّدة بتعدّد القيودات والاعتبارات ؛ فأفرادها ليست إلّا ذاتها من حيث تكثّرها الاعتباري بتقيّدها بالماهيّات ؛ فمن حيث منشئيتها لانتزاع ماهيّة يكون فردا لنفسها.
والحاصل : أنّ أفرادها في الحقيقة هي الممكنات وهذه الحقيقة تكون مشتركة بينها ذاتية لها ؛ والتشكيك فيها لا يدلّ على عرضيتها بالنسبة إليها ؛ إذ لم يقم برهان على امتناع الاختلاف في الذاتيات.
وأقوى ما ذكروه «انّه إذا اختلفت الماهيّة والذاتي في الجزئيات بالتشكيك لم تكن ماهيّتها واحدة ولا ذاتها واحدا» وهو منقوض بالعارض ، لكونه واحدا مع وقوع التشكيك فيه. فكون حقيقة الوجود مقولة بالتشكيك بالنسبة إلى / A ٩ / أفرادها لا ينافي ذاتيتها لها ولا يرفع وحدتها.