وجوده والكائنات برمّتها صادرة من فيضه وجوده ، وأنّ الأعيان الممكنة متساوية في ارتضاع لبان الوجود من ثدي واحدة ، والحقائق العينية سواسية في شرب ماء الفيض والجود من مشرع الوحدة الحقّة ، كان فرحانا بالحقّ وبكلّ شيء ويدوم فرحه ؛ إذ الفرح بالحقّ يدوم بدوام العلم ؛ فلا ينفكّ عنه وإن ورد عليه ما يوجب الحزن ؛ والفرح ومثله لا يبالي بغير الحقّ ولا يطلب سواه وكلّ كمال عنده قليل بالنظر إلى معرفته وحبّه وانسه واستغراقه في لجّة توحيده ؛ إذ حبّ الله يصل إلى حدّ لا يشعر المحبّ معه إلى شيء آخر أصلا ؛ إذ البصيرة الباطنة أصدق من البصيرة الظاهرة وجمال الحضرة الربوبية أوفى من كلّ جمال ؛ لأنّه الجمال البحت الخالص وكلّ جمال في العالم سواه فهو مختلط ناقص ؛ ففرحه به يزيل كلّ ترح (١) ويفرح بكلّ شيء يراه من دون تفاوت ؛ لأنّه لا ينظر إلى سواه من حيث إنّه هو حتّى يظهر التفاوت ، بل إنّما ينظر إلى الكلّ من حيث انتسابه إليه والكلّ في الانتساب إليه سواسية ؛ فلا جرم يكون فرحانا بكلّ شيء يراه متواضعا له من دون تفاوت.
به جهان خرّم از آنم كه جهان خرّم از اوست |
|
عاشقم بر همه عالم كه همه عالم از اوست |
[في أنّ واجب الوجود بالذات واجب الوجود من جميع الجهات]
واجب الوجود بالذات واجب الوجود من جميع الجهات ؛ والمراد به أنّ جميع كمالاته ـ أي كلّ ما هو كمال للموجود المطلق ـ / B ١٦٠ / حاصل له تعالى بمحض ذاته أزلا وأبدا من غير افتقار فيه إلى غيره ؛ ولا يجوز أن يكون كلّ كمال يمكن له
__________________
(١). التّرح : الحزن والهمّ.