جميع صفاتهم فانية مضمحلّة في صفاته تعالى ولا يرى لغيره صفة كمالية أصلا ، بل يرى صفات كلّ الأشياء كذواتهم ووجوداتهم مظاهر ومجالي لصفاته تعالى ويرى صفاته تعالى في الأشياء ظاهرة ؛ وهذا هو التوحيد الصفاتي وهو في أقسام المقامات والمراتب وكون كلّ منها ذا عرض عريض بحسب اختلاف أحوال السالكين كالتوحيد الذاتي بعينه ؛ ويسمّى هذا التوحيد في عرف الطائفة بالطمس وكذا يشاهد السالك جميع أفعال الأشياء فانية في أفعال الحقّ ومضمحلّة [في] جنب فعل الفاعل المطلق ويشاهد في كلّ فعل وتأثير فعل الحقّ وتأثيره وقدرته وقوّته ؛ ولا يرى مؤثّرا في الوجود ولا فاعلا مستقلّا إلّا هو ؛ وهذا هو التوحيد الأفعالي.
[في ما حصل للعارف السالك بعد الوصول إلى مراتب التوحيد وتصفية النفس تحليتها واستغراق الوقت بذكر الله]
وأعلم أنّ العارف السالك إذا وصل إلى هذه المقامات ـ نعني التوحيدات ـ وصفّى نفسه عن رذائل الصفات وحلّيها بفضائل الأخلاق واستغرق وقته بذكر الله تعالى حصل له مرتبة العروج إلى الأفلاك والكواكب والارتباط مع روحانيات ملأ الأعلى وملائكة الملكوت وسكّان عالم القدس ويشرق قلبه بالأنوار الإلهية والابتهاجات العقلانية ويشاهد ذاته وصفاته وأفعاله فانية في تجلّيات أنوار اللاهوت ويبقى بعد الضياء في الله باقيا بالبقاء بالله ويرى بعين العيان ونور البصيرة وجه الحقّ بالحقّ.
وبالجملة : يحصل له بسبب ارتباطه بذلك العالم وتوجّهه إلى مبدأ الحقّ وبسبب تصفية مرآة قلبه الذي هو مرآة حقائق الأشياء ومجلاة لصورها مناسبة للعالم المعنوي بحيث يتمثّل في سرّه صور جميع الأشياء من المادّيات و