والمنقول عنهم أنّ لكلّ نوع جسماني فردا مجرّدا أبديا واحدا ؛ فحمل كلامهم على الأشخاص المادّية غير صحيح.
[في كيفية حدوث العالم]
قد ظهر ممّا ذكر أنّ العقلاء بأسرهم ـ من الحكماء والكلاميّين ـ متّفقون على صدور العالم وحدوثه منه تعالى ؛ وإنّما وقع الخلاف بينهم في كيفية حدوثه.
فالمعروف من مذهب الحكماء أنّ اصول العالم ـ أعني العقول والأفلاك وكلّيات العناصر ـ حادثة بالحدوث الذاتي ؛ والمراد به تأخّر وجودها عن الواجب تأخّرا بالذات ؛ أي بحسب المرتبة العقلية لا في الخارج ؛ فلا يتحقّق بين الواجب والعالم انفصال في الخارج.
ومذهب جمهور المتكلّمين أنّها حادثة بالحدوث الزماني ؛ والمراد به تأخّر وجودها عنه تعالى تأخّرا زمانيا ؛ فيتحقّق بينهما عدم زماني ممتدّ ؛ لأنّه ينتزع عنه / A ١٩٥ / تعالى قبل وجود العالم زمان موهوم هو وعاء هذا العدم ؛ فيسند (١) هذا العدم إليه.
وذهب بعض المتأخّرين إلى أنّها حادثة بالحدوث الدهري ؛ (٢) والمراد به تأخّر وجودها عنه تعالى تأخّرا انسلاخيا انفكاكيا ـ أي وجودها بعد العدم الصريح المحض الذي ليس زمانيا ولا سيّالا ولا متكمّما ولا متقدّرا ـ فالعالم منفكّ عن الواجب في الواقع ونفس الأمر إلّا أنّ هذا (٣) الانفكاك ليس زمانيا.
__________________
(١). س : فيثبت.
(٢). هو المعلّم الثالث ، المير محمّد باقر الداماد ؛ صنّف في تبيينه وإثباته الكتب والرسائل العديدة وادّعى أنّ الجمهور لم يتعرّفه لدقّته وغموضته وأنّ معلّم الفلسفة المشّائية ومن تأخّر عنه لفي غفلة عنه. خالفه فيه جمع كثير من الظاهريين والمتكلّمين ؛ فلذا قد قام بإثباته تلميذه الذكيّ صدر المتألّهين الشيرازي وأبدع نظرية الحركة الجوهرية وحدوث العالم آنا فآنا ؛ وزعم بعض المتأخّرين كالزنوزي أنّه لا فائدة فيه. «اوجبي»
(٣). س : هذه.