سايرها وبواسطة تكثّرها تحصل كثرة وجودية حقيقية ؛ وصرّحوا بأنّ حصول الكثرة الوجودية إنّما هو على الترتيب ؛ واختلف كلامهم في الصادر الأوّل :
فقال بعض المتأخّرين منهم : «إنّ للوجود مراتب :
أوليها : الوجود الذي لا يتعلّق بغيره ولا يتقيّد بقيد ؛ وهو الحريّ بأن يكون مبدأ الكلّ.
وثانيتها : الوجود المتعلّق بغيره من العقول والنفوس والطبائع والموادّ والأجرام.
وثالثتها : الوجود البسيط الذي ليس شموله وانبساطه على نحو / B ٦٦ / عموم الكلّيات الطبيعية ولا خصوصه على سبيل خصوص الأشخاص المندرجة تحت الطبائع النوعية أو الجنسية ، بل على نهج يعرفه العارفون ويسمّونه النفس الرحماني وهو الصادر الأوّل عن العلّة الأولى وهو أصل العالم وحياته ونوره الساري في جميع السماوات والأرض في كلّ بحسبه وليس هو الوجود الانتزاعي الإثباتي الذي هو كسائر المفهومات الكلّية.
وإلى هذه المراتب وقعت الإشارة في كلام بعض العرفاء حيث قال : «الوجود الحقّ هو الله والوجود المطلق فعله والوجود المقيّد أثره» ومراده من الأثر نفس الماهيّات ؛ إذ هي بمنزلة قيود الموجودات الخاصّة وهي ليست مجعولة إلّا بالعرض» انتهى ؛ وهذا كما ترى صريح في أنّ الصادر الأوّل هو الوجود المنبسط.
وقال العارف القونوي : «إنّ ذلك الصادر الأوّل عندنا هو الوجود العامّ المفاض على أعيان الممكنات ـ يعني الأعيان الثابتة (١) ـ وهذا الوجود مشترك بين العالم الأعلى الذي هو أوّل موجود عند الحكيم المسمّى بالعقل وبين ساير الموجودات ؛ وليس كذلك الصادر الواحد الذي هو العقل الأوّل كما ذكره أهل
__________________
(١). س : الثانية.