عظمته وكبريائه ما
يبهر العقول ويدهش به أفهام الفحول.
[في جعل الوجودات الخاصّة عند الصوفية والمتكلّمين والحكماء]
قد عرفت أنّ
المجعول بالذات هو الوجودات الخاصّة دون الماهيّات وأنّ الجعل إنّما هو التعلّق
والتبعية ؛ والغرض هنا بيان أنّ جمعها مجعولة للواجب تعالى ابتداءً كما تراه قوم
من الصوفية والمتكلّمين أو أنّ جمعها ليست مجعولة له بلا واسطة ، بل إنّما الجعل
والصدور منها بالترتيب السببي والمسبّبي كما / B ٦٣ / اختاره الحكماء. فيقول جمهور الحكماء : إنّ أوّل الصوادر منه سبحانه جوهر قدسي بسيط وبتوسّطه
يتكثّر شعب الوجود ويتفجّر ينابيع الفيض والجود ؛ واحتجّوا على ذلك بامتناع صدور
الكثرة عن الواحد الحقيقي بلا واسطة ؛ إذ الواحد لا يصدر عنه إلّا الواحد ؛
واستثناء الآثار المتعدّدة إلى المؤثّر الواجب الحقيقي لا يمكن إلّا بتعدّد الإله
كصدورها عن النفس الناطقة بتوسّط الأعضاء والقوى الحالّة فيها أو بتعدّد الشروط
والقوابل كصدور الآثار والحوادث المتكثّرة في عالم العناصر عن العقل الفعّال
لتعدّد الشرائط والقوابل ؛ وأمّا الواحد الحقيقي الذي ليس لفعله آلة ولا تعدّد
شرائط وقوابل ـ كالحقّ الأوّل ـ فلا يجوز أن يصدر عنه أوّلا إلّا أثر واحد ؛ إذ لا بدّ أن تكون بين العلّة والمعلول مناسبة تامّة
يصدر بها ذلك المعلول عنها وإلّا جاز أن يصدر كلّ شيء عن كلّ شيء إذا كانت المناسبة لازمة بينهما.
نقول : لو صدر معلول عن علّة واحدة من كلّ جهة بمناسبة خاصّة
بينهما ؛ فلو صدر عنها معلول آخر ، فإن كان صدوره بتلك المناسبة اتّحدت المعلولات
__________________