وأمّا عالم
الإنسان الصغير الجامع لجميع العوالم فهو وإن كان مظهرا أعظم ونظيرا للاسم الجامع
الأقدم وزبدة الكلّ ومنتخب الجلّ إلّا أنّه ليس عالما برأسه ، بل هو عبارة عن
مجموع العوالم وداخل فيها.
ولنا أن نقول بعبارة اخرى : كما أنّ اصول الحضرات الأسمائية والصفاتية أربعة أو ثلاثة
كذلك اصول المظاهر وأمّهات النشئات الكونية أربعة أو ثلاثة : النشأة الدنيوية
والبرزخية والاخروية المنقسمة إلى النشأة الجنّتية والنشأة النارية ؛ فإن جعلت الاخروية نشأتين فالنشئات أربعة وإن جعلت واحدا
فثلاثة.
وجميع تلك العوالم
والنشئات مظاهر الأسماء وواقعة تحتها ومناسبة لها ؛ وأعداد اصولها مطابقة لأعداد
اصولها وكلّ منها مظهر لما يناسبه وكلّها مرتّبة وفي كلّ مرتبة مراتب لا تحصى كثرة
ولكنّها ليست على السواء ؛ لأنّ بعضها مظهر اسم واحد وبعضها مظهر الأكثر من واحد
وبعضها مظهر الجميع تفصيلا وإجمالا ؛ فلكلّ موجود حظّ من بعض أسمائه دون كلّها سوى
الإنسان ؛ فإنّ له رتبة المظهرية للكلّ ولذا صار قابلا للخلافة الإلهية ؛ فحظّ
الملائكة إنّما هو من اسم السبّوح والقدّوس ؛ فإنّه بعض أسمائه ؛ قالوا : (نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ
وَنُقَدِّسُ لَكَ) وهذا القول من اقتضاء التعظيم والتبجيل ولذلك ما عصوا
ربّهم قطّ ؛ وحظّ الشياطين من اسم الجبّار والمتكبّر ؛ فإنّه أيضا بعض أسمائه ،
كما قال رئيسهم : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ
خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) وهذا القول من اقتضاء التكثّر ؛ ولذلك عصى وغوى ؛ وكذلك
لكلّ موجود حظّ لا يشاركه فيه غيرها ؛ وليس هذه الخصوصية إلّا لاقتضاء الاسم الذي
هو داخل تحته ؛ والإنسان مظهر جميع الأسماء الجلالية والجمالية : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) ولذلك عصى تارة وأطاع اخرى ؛ وليس
__________________