شأنا من أن تدركه العقول والأفهام وأعظم قدرا من أن تصل إليه الأفكار والأوهام ؛ وكيفية تجلّيه وإيجاده أعلى وأسنى من أن يعبّر عنها بعبارة أو يومئ إليها بإشارة ؛ فإنّ العبارة في معرفة حقيقته حجاب والإشارة إلى الكشف عن وجه بارقته نقاب. كيف وهو مجهول الكنه والذات ، بل غير معلوم الاسم والصفات؟! فليس له حدّ وبرهان ولا يمكن دركه بإشارة وبيان ، بل لو أمكن لأمكن عن المشاهدة والعيان [و] يكون الطالب عند تلك المشاهدة فانيا في المطلوب والشاهد مستغرقا في المشهود ؛ فلا يبقى حينئذ إشارة ومشير.
ومحصّل ما ذكرناه أنّ الوجودات الخاصّة الإمكانية المعلولة المجعولة للواجب بالتبعية والتعلّق والارتباط والترتّب امور متحقّقة من حيث إنّها توابع وشئون وأظلال وفنون للواجب الحقّ ولها آثار واقعية نفس أمرية ، كما أنّ لأظلال الشمس وغيرها من الأجسام المضيئة تحقّقا واقعيا وأثرا خارجيا وإن كان الفرق بين ظلّ الحقّ وظلّ الشمس في التحقّق وترتّب الأثر كالفرق بينهما. فتلك الوجودات الخاصّة لها تحقّق واقعي وأثر خارجي إلّا أنّ تحقّقها تبعي ووجودها ظلّي بمعنى أنّ ما به تحقّقها وموجوديتها هو المتبوع وذو الظلّ أعني الواجب تعالى. ففي الحقيقة تحقّقها وآثارها منه تعالى ؛ فهي لكونها تابعة فبالنظر إلى أنفسها مع قطع النظر عنه تعالى محض الفقر والحاجة. / A ٥٢ /
وبالجملة : هذه الوجودات (١) الخاصّة لكونها تبعية ظلّية إذا اخذت بشرط شيء ـ أي بشرط التبعية والتعلّق ـ تكون امورا متحصّلة ذوات آثار خارجية ، ويعبّر عن تحقّقها بالتحقّق الظلّي ؛ وإذا اخذت لا بشرط شيء ـ أي لا بشرط التبعية ولا بشرط عدمها ـ تكون امورا اعتبارية يعبّر عنها بالشئون والحيثيات والفنون والاعتبارات والأظلال والتنزّلات والأضواء والتطوّرات وأمثال ذلك ؛ وإن
__________________
(١). س : الوجود.