ذواتها. فانظر إلى قول الأعرابي وهو قدوة الوجودية : «ولقد نبّهتك على أمر عظيم إن تنبّهت له وغفلته فهو عين كلّ شيء في الظهور ما هو عين الأشياء في ذاته تعالى ، بل هو هو والأشياء أشياء» فإنّه نصّ في أنّ الأشياء الممكنة الموجودة مغايرة للحقّ إلّا أنّ ظهورها وتحقّقها به سبحانه ؛ فهي في أنفسها محض العدم والافتقار.
ثمّ انظر إلى قول الشيخ ابن سينا في تعليقاته وهو رئيس الحكماء : «الوجود المستفاد من الغير كونه متعلّقا بالغير مقوّم له كما أنّ الاستغناء عن الغير مقوّم لواجب الوجود بذاته ؛ والمقوّم للشيء لا يجوز أن يفارقه ؛ إذ هو ذاتي له» (١) بأنّه يفيد أنّ الوجودات الإمكانية لا حقائق لها متأصّلة سوى كونها مضافة إلى موجدها ومتعلّقة به وما يجرى مجرى ذلك وأن ليس لها هويّة مستقلّة سوى هويّة مفيضها وأنّها إنّيات تعلّقية وشئونات للوجود الحقّ وأشعّة وظلال النور المطلق ولا يمكن ملاحظتها ذواتا منفصلة وإنّيات مستقلّة ؛ لأنّ التابعية والتعلّق بالغير والفقر والفاقة عين حقائقها لا أنّ لها حقائق على حيالها عرض لها التعلّق بالغير والحاجة ، بل هي في ذواتها محض الفاقة والتعلّق ؛ فلا حقائق لها إلّا كونها توابع لحقيقة واحدة. فالحقيقة واحدة والباقي شئونها وفنونها وحيثياتها وأطوارها ولمعات أنوارها / B ٥١ / وظلال ضوئها وتجلّيات ذاتها.
والحاصل : أنّ المستفاد من كلامه أنّها بالنظر إلى أنفسها محض الإضافة والفاقة وإن كانت متحقّقة ثابته بالعلّة.
ثمّ التحقيق أنّ ما ذكرناه ، بل ما ذكره غيرنا من أعلام الحكماء وأعيان الصوفية في حقيقة الوجود وكيفية إفاضتها وتجلّيها إلى شئونها إنّما هو على سبيل التلويح والتلميح والتمثيل والتوضيح دون البرهان والتحقيق ؛ لأنّ الوجود الحقّ أجلّ
__________________
(١). التعليقات ، ص ٢١٦.