الوضوء لكبرى الشكّ في الشيء بعد تجاوز محلّه قيد مستهجن ، فهو نظير قولك : أكرم العالم الذي هو أفقه البلد ؛ لأنّه يجب إكرام العلماء.
ومن هنا ذهب المحقّق الخراساني طاب ثراه إلى أنّ المستفاد من هذه الأخبار قاعدتان، إحداهما مضروبة للشكّ في الشيء بعد تجاوز المحلّ ، وهي مستفادة من الصحيحة ورواية إسماعيل بن جابر ، والثانية مضروبة للشكّ في المركّب والمقيّد بعد الفراغ منه في جزئه وقيده ، وهي المستفادة من الموثّقين ، فلا يلزم المحذور المذكور أعني تخصيص المورد.
وهو قدسسره ارتكب هذا مع كونه مخالفا لظاهر الأخبار من وحدة المضمون ، لأجل التخلّص عن الإشكال المذكور والتمحّل الذي ارتكبه شيخنا المرتضى قدسسره في مقام دفعه من أنّ المطلوب بالأفعال الوضوئيّة حيث إنّه شيء واحد ، فنزّلت هذه الأفعال منزلة الشيء الواحد البسيط ، فيكون الشكّ فيه بعد المحلّ لا محالة بعد الفراغ عن مجموعه ، وأمّا في أثنائه فالشكّ شكّ قبل مضيّ المحلّ.
وأنت خبير بأنّه قدسسره أيضا محتاج بعد ما ارتكبه من خلاف الظاهر إلى هذا التمحّل أيضا ؛ لأنّا نقول : من أحد مصاديق الكليّة المذكورة في الذيل أعني قوله : إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه ، هو الشكّ في غسل المرفق بعد الفراغ عن غسل اليد في الوضوء ، فإنّ غسل اليد شيء مركّب وقد وقع مأمورا به في قوله تعالى : (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) فيكون داخلا تحت الكبرى المذكورة ، فيلزم تخصيصها بما عدى هذا الفرد بحكم الإجماع.
نعم هذا سالم عن الاستهجان السابق ؛ لأنّ الفرد الخارج على هذا ليس من قبيل المورد ، لكن نحتاج في خروجه إمّا إلى دعوى مثل التمحّل المذكور حتّى لا يجعل كلّ جزء من الوضوء شيئا مستقلّا ، أو دعوى أنّ كلمة «الشيء» عبارة عن المركّبات المأمور بها ، والمركّب لا يشمل مثل غسل اليد ، ومثل الفاتحة في الصلاة ؛ لأنّها جزء للمركّب لا نفس المركّب ، وعلى هذا فيكون ما ارتكبه من خلاف الظاهر بلا وجه.