إذ كما أنّ جعل الواقع الأوّلي الحقيقي أمر ، وواجديّته أمر آخر ، كذلك ما يتصدّاه الدليل المفيد للتنزيل ليس إلّا نفس الجعل بلسان الواقع ، وأمّا الواجديّة فخارج عن مدلوله المطابقي والالتزامي ، وإنّما هي لازمة لوجوده ومتأخّرة عنه ، وهذا اللازم لمتأخّر مصرّح به في القضيّة في الجانب الآخر ، والحاصل أحدهما يعطي الواقع ليصير المكلّف واجدا لواقع ، والآخر يقول: أنت واجد الواقع ، فلسان الثاني أقدم حكومة من الأوّل.
وبهذا البيان يتّضح الحال بناء على الورود ، فإنّه وإن كان كلّ لو قدّم صار واردا على الآخر ، لكن هذا اللسان للاستصحاب يوجب تقدّمه للحكومة ، فهو ورود للحكومة.
ثمّ إنّك من مطاوي هذه الكلمات قدرت على إجراء الحكومة في الأمارات على الاصول بناء على أخذ الشكّ والعلم في الاصول بالمعنى الصفتي بالملاك الأخصّ ؛ فإنّها دستورات للشاك الغير العالم بالواقع من حيث احتياجه إلى دستور للواقع الذي جهله ، والأمارة أيضا وإن كانت دستورا له ، ولكن بلسان أنّ ما أدّاه هو الواقع ، فقد أعطى المحتاج ما احتاج إليه ، لا أنّه رفع عنه الاحتياج ، فلا يقال : إنّه ورود ، ولكن لمّا أنّ لسانه : هذا واقع ، تكون حاكمة على الاصول المعلّق فيها الحكم على المنقطع اليد عن الواقع المحتاج إلى دستوره ، هذا.
في تعارض الاستصحابين : (١)
وهو على قسمين : ، أن يكون أحدهما جاريا في الشكّ السببي ، والآخر في المسبّبي ، وأن يكونا جاريين في شكّين مسبّبين عن ثالث.
أمّا القسم الأوّل ، فمثاله ما إذا علم بطهارة ماء قليل ثمّ شكّ فيه لاحتمال وقوع نجاسة فيه ثمّ غسل الثوب القطعي التنجّس بصبّ ذلك الماء القليل عليه مع مراعاة شرائط التطهير ، فإنّ هنا استصحابين ، واستصحاب طهارة الماء من أثره طهارة
__________________
(١) راجع ص ٤١٩