العصير إذا غلى ، يحرّمه تنجيزا لا محالة بعد حصول الغليان خارجا ، والشكّ في الثاني مسبّب عن الأوّل ، إلّا أنّ مطلق تسبّب أحد الشكّين عن الآخر لا يكون ملاكا للحكومة، بل الملاك لها أن يكون أحد الأصلين دليلا على حكم الشرع في مورد الآخر مع قطع النظر عن حال شكّ نفسه ، حتّى يكون طريقا رافعا للتحيّر عن الواقع فيه ، حتّى يرتفع عنه حكم الأصل بنحو التخصّص ، ولا كذلك العكس ، بمعنى أنّا لو قدّمنا الأصل في المورد الآخر لم يكن رافعا لتحيّرنا عن الواقع وطريقا شرعيّا إلى الواقع بالنسبة إلى مورد الأصل الأوّل ، بل تحيّرنا باق ، فلو ارتفع الأصل عنه كان تخصيصا.
ولا إشكال في عدم جريان هذا الملاك في هذا المقام ؛ فإنّ الحكم الفعلي وإن كان مرتّبا على التعليقي إلّا أنّ الحاكم بترتّبه عليه ليس هو الشرع ، فالحكم المنسوب إلى الشرع حكم واحد وهو الحكم التعليقي في موضوع الشكّ فيه ، وليس هنا حكم آخر من الشارع بأنّه متى تحقّق في موضوع حكم معلّق فهو فعليّ عند حصول المعلّق عليه ، بل هو صرف حكم عقلي في كلّ حكم في موضوعه واقعا كان أم شكّا.
فالحاصل أنّ الشارع حكم على الشاك في بقاء الحرمة المعلّقة بالإبقاء لها ، والعقل أيضا حكم بعد هذا الحكم في موضوعه الذي هو الشكّ بصيرورتها فعليّة ، فالحكم بالفعليّة ناش من العقل وفي موضوع الشكّ ، وقد فرضنا أنّه يلزم في الحكومة وجود الحكم من الشارع وناظرا إلى مرحلة الواقع بالنسبة إلى مورد الشكّ المسبّب.
وإن كان صرف حكم العقل في مرحلة الشكّ والظاهر كافيا لرفع موضوع الأصل عن الجانب الآخر ، لكان الأصل الجاري في جانب الحكم التنجيزى أيضا كافيا لرفع الموضوع بالنسبة إلى الاستصحاب التعليقي ، فإنّ التضادّ ثابت بين الإباحة الفعليّة وعدم علّة ضدّها ، سواء في الواقع أم الظاهر.