تعيين الغير المنقوض ، وأنّه هذا أو ذاك ، لا أنّ المشكوك هو أنّ هذا منقوض أو لا ، ومجرى الاستصحاب هو الشكّ الثاني دون الأوّل ، هذا.
ولكن يمكن أن يقال : إنّ المعتبر في الاستصحاب ليس إلّا يقينا وشكّا موجودين بالفرض ، وعند ذلك يجري حكم «تعبّد بالبقاء» وليس فيه أن يكون منشأ الشكّ في البقاء ما ذا ، فقد يتحقّق الشك في بقاء الشيء بواسطة عدم العلم بأنّ المنطبق عليه أيّ من الموجودين الذين أحدهما قصير والآخر طويل.
فالمتحصّل بالأخرة حينئذ هو الشكّ في أنّ هذا الشيء باق أو لا ، وهذا المقدار كاف ، ولو لا ذلك لما كان مجرى للاستصحاب في أطراف العلم الإجمالي بانتقاض الحالة السابقة ، فإنّ لنا موجودين ، أحدهما منتقض قطعا ، والآخر غير منتقض كذلك ، فهذا الطرف المعيّن مثلا نشكّ في كونه هو المنتقض أو غير المنتقض ، وحينئذ يبقي ما ذكرتم من لزوم أطوليّة عمر المستصحب بالاستصحاب ، وهو موجود في أطراف العلم وغير موجود في المقام.
ويمكن جوابه أيضا بأنّه إن كان المقصود أنّ الشارع بالاستصحاب يجعل العمر الواقعي للمستصحب أزيد وأطول ، فهذا المعنى مقطوع العدم في جميع المقامات ؛ إذ الاستصحاب تعبّد ظاهري مع بقاء المستصحب على ما هو عليه من العمر الواقعي بحدّه الواقعي.
وإن كان المقصود أنّه مع دوران أمره واقعا بين الحدّين الأقلّ والأكثر يتعبّدنا الشارع في الظاهر بالبناء على الأكثر ، فهو في المقام موجود ؛ إذ من المعلوم أنّ قول الشارع : ابن على بقاء الطهارة في المقام ، لا مانع منه في الظاهر أصلا ، سواء كان عمره الواقعي ساعة واحدة أو ستّ ساعات ، وليس مفاده : ابن على أنّه سبع ساعات ، حتّى يقال : إنّه مقطوع الخلاف ؛ فإنّ لسانه عدم نقض اليقين بالشكّ في البقاء من دون نظر له بأنّ الواقع ما ذا.