حال علم المكلّف وجهله على السواء ولا يزداد لها بالعلم رتبة ، بل هي فعليّة في كلّ حال ، غاية الأمر اختلاف الحالتين في التنجيز وعدمه والعذر وعدمه ، فحينئذ يكون نسبة الرفع إلى ما جهل من الموضوع وما جهل من الحكم على السواء في كون كليهما إلى غير ما هو له ، أمّا الموضوع فواضح ، وأمّا الحكم فلأنّ موضوع الرفع إذا كان «ما لا يعلم» فلا يعقل أن يكون المرفوع نفسه ، فالحكم إذا كان بواقعه الذي ليس إلّا واحدا غير معلوم بمعنى محتمل الوجود والعدم فهو مع هذا الوصف لا يمكن أن يصير مرفوعا ؛ إذ حينئذ يكون مقطوع العدم ويخرج عن كونه محتمل الوجود (١) ، وظاهر الخبر أنّ نفس الشيء الذي يكون موردا لقولنا : «لا يعلم» يكون مرفوعا.
فعلم أنّه لا يكون هنا اختلاف في النسبة ، بل هي على أيّ حال يكون إلى غير ما هو له ، سواء كان ما لا يعلم عبارة عن الموضوع أم عن الحكم ، مضافا إلى أنّه يلزم على هذا ـ من كون نفس الحكم مرفوعا ـ تقييد الحكم بالعلم كما قاله العلّامة قدسسره ، فيرد عليه الإشكال المشهور الذي هو الدور.
وإن بنينا على ثبوت المراتب للحكم كما هو مذهب المعترض قدسسره فنقول : لا بدّ من أن يؤخذ الرتبة الاولى محلا للعلم والجهل ، وحينئذ فيتعيّن الرتبة
__________________
(١) فإنّ الحكم المعلّق على عنوان تارة يكون مزيلا لذلك العنوان مثل : ارفع هذا الجالس ، واخرى يكون ملائما معه وباقيا ببقائه مثل : أكرم الجالس ، وما نحن فيه من قبيل الثاني ، فلا بدّ أن يكون الوصف العنواني أعني كونه ما لا يعلم باقيا حين الرفع ، فلا بدّ أن لا يتعلّق الرفع بنفسه ، وإلّا لا نقلب إلى المعلوم العدم وهو خلاف الفرض وإن كان متصوّرا ، فإنّ ما لا يتصوّر أن يكون الحكم بحدوثه رافعا لحدوث الموضوع ، لا بحدوثه لبقائه ، كما أنّ إشكال الدور أيضا أجنبيّ عن المقام ، فإنّ الدور إنّما يلزم لو كان الحكم الواقعي بحدوثه موقوفا على العلم أو عدم الجهل ، وأمّا إذا كان في حدوثه مطلقا وفي بقائه مشروطا بالعلم بالحدوث أو عدم الجهل به فلا دور كما هو واضح ، نعم يلزم التصويب الباطل بالإجماع ، ومن هنا يظهر وجه آخر لما قلنا في الحديث. منه قدسسره الشريف.