الحكم الإثباتي هو ثبوت آثار الموضوع الذي حكم بثبوته ، ومثال ذلك في طرف النفي قول الشارع «لا صلاة لجار المسجد إلّا في المسجد» فإنّ الصلاة فعل خارجي متحقّق في الخارج ، فيكون الحكم بنفيه بلحاظ نفي آثاره.
وحينئذ فنقول : معنى قول الشارع : «لا ضرر» أنّ الفعل الضرري معدوم ، ولا يمكن حمل ذلك على نفي الحقيقة ، فإنّ الفعل الضرري كثير الوجود في ما بين العباد ، فلا بدّ أن يكون هذا النفي بلحاظ نفي الآثار المترتّبة على الفعل الضرري ، ولمّا لم يكن الفعل الضرري منفىّ الأثر رأسا ؛ لأنّ الحرمة والضمان ثابتان فلا بدّ من التفكيك بين الآثار التى يكون ترتّبها مخالفا للمنّة وبين ما يكون ترتّبها موافقا للمنّة والحكم بأنّ القاعدة نافية للاولى دون الثانية ؛ لأنّها واردة في مقام المنّة.
وأمّا الاحتمال الثاني فهو أن يكون المعنى أنّ إحداث الضرر ليس من شأن الشارع ، بمعنى أنّ القواعد التي قرّرها الشارع ليس فيها قاعدة كان فيها ضرر على المكلّفين ، فكلّما كان عموم أو إطلاق موهما لثبوت حكم موجب للضرر فهذه القاعدة ناطقة بأنّ هذا الحكم ليس من دين الإسلام ، وذلك لأنّ الإسلام الذي جعل ظرفا لهذا النفي عبارة عن القواعد الإسلاميّة ، ومعنى عدم الضرر في هذه القواعد عدم مجيئي الضرر من ناحيتها على المكلّفين.
وبعبارة اخرى : قول الشارع : «لا ضرر في الاسلام» مساوق لقوله : «لا حرج في الدين» ، فكما أنّ معنى الثانى أنّ الشارع لم يجعل على المكلفين حكما حرجيّا ، فكذلك معنى الأوّل أنّه لم يجعل عليهم حكما ضرريا.
وأمّا الفرق بين هذين وبين قول الشارع : «لا صلاة لجار المسجد إلّا في المسجد» فهو أنّ الصلاة فعل صادر عن المكلّف وليس له صحّة الإضافة إلى الشارع ، فلا محالة يكون نفيه في كلام الشارع محمولا على نفي هذا الموضوع الخارجي الصادر من المكلّف.
وأمّا الضرر والحرج فلهما صحّة الإضافة إلى العباد والى الشارع ، أمّا إضافتهما إلى العباد بأن يوقع بعضهم بعضا في الضرر والحرج فواضحة ، وأمّا