والحاصل أنّ العقل لا يجوز له الإهمال والاستراحة بمجرّد هذا الشكّ ؛ فإنّ التنجيز ووجوب الإطاعة ليس إلّا من أحكام العقل ، بل ربّما يستكشف القدرة من نفس أمر المولى، وهو في ما إذا كان حكيما عالما بالغيب ووجّه الخطاب نحو الشاكّ في القدرة ؛ فإنّه يعلم بهذا الخطاب كونه قادرا وإلّا لما توجّه نحوه الخطاب. وإذن فنقول : من قبيل هذه الشروط أيضا قيد كون متعلّق التكليف والنهي من موارد ابتلاء المكلّف ، فإنّه مثل القدرة ممّا يستقلّ العقل بأنّ الخطاب بدونه قبيح مع عدم تعرّض له في شيء من الخطابات اللفظيّة ، فيكون إطلاق المادّة في تلك الخطابات محفوظا ، ومعناه أنّ المفسدة المقتضية للنهي في ذات الفعل موجودة في جميع الأحوال حتى بالنسبة إلى حالة خروجه عن محلّ ابتلاء المكلّف.
ولازم ذلك أنّه لو شكّ المكلّف في حسن الخطاب في حقّه من هذه الجهة لعدم علمه بأنّ متعلّقه صار خارجا عن محلّ ابتلائه أو لا؟ لا يكون هذا لشكّ محلّا للبراءة ، فلو علم إجمالا بخمريّة الإناء الموجود عنده أو الإناء الآخر الموجود عند سلطان الإفرنج فهو يعلم بوجود مطلوب تامّ لمولاه إمّا في هذا أو في ذاك ، ولكن يشكّ في أنّ المولى هل يصحّ له البعث نحو هذا المطلوب أو لا؟ فإذا بنينا كما هو المفروض على تنجيز العلم الإجمالي كالتفصيلى وتبيّن في مثال القدرة عدم قدح الشكّ في حسن الخطاب في حكم العقل بالتنجيز والاشتغال ، يلزم الحكم بوجوب الاحتياط هنا أيضا بالنسبة إلى الإناء الموجود عنده، فيلزم عدم الفرق بين الخروج الطاري والسابق والمقارن من هذه الجهة ، وهذا بخلاف عدم الاضطرار ، فإنّه من القيود المذكورة في اللفظ كما نبّهنا عليه ، فالشكّ فيه شكّ في أصل المطلوبيّة فيكون مجرى للبراءة.
هذا كلّه في الشبهة المصداقيّة وهي ما إذا علم بخروج أحدهما عن محلّ الابتلاء وشكّ في أنّ الخمر أيّهما.