هو أن يقال : إنّه ربّما يكون القيد مذكورا في اللفظ ، وبعبارة أخرى : الشارع يصنّف موضوع طلبه وإلزامه إلى صنفين ويجعل أحدهما تحت الطلب والإلزام ويرفعهما عن الآخر ، وهذا نظير قيد الاضطرار حيث إنّه ذكر في ذيل الآية العادّة لجملة من المحرّمات الاستثناء بقوله تعالى : (إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ).
فيعلم من هذا أنّ موضوع الزنا وشرب الخمر والربا وغير ذلك من العناوين المحرّمة تكون منقسمة إلى قسمين : المضطرّ إليه وغيره ، والحرمة معلّقة بخصوص الثاني بحيث يكون القسم الآخر وهو المضطر إليه خاليا بحسب ذاته عن المفسدة المحرّمة ، بل إمّا مشتمل على المصلحة ، أو لا عليها ولا على المفسدة ، (١) وربّما يكون القيد مستفادا من العقل ودخيلا في حسن الطلب والخطاب ، لا مذكورا في اللفظ ودخيلا في المصلحة أو المفسدة الكامنة في ذات الشيء الموجبة لمحبوبيّته أو مبغوضيّته.
__________________
(١) يعني بعد الكسر والانكسار ، فالمفسدة الذاتية في شرب الخمر موجودة حتى بعد الاضطرار ، ولكنّها بملاحظة المصلحة الطارئة من قبل الاضطرار ولو كانت هي الامتنان على العباد والتسهيل عليهم صارت مضمحلّة وشأنيّة وساقطة عن التأثير ، وهذا بخلاف الحال في العجز والخروج عن محلّ الابتلاء ، فإنّ الخمر المعجوز عنها أو الخارجة عن محلّ الابتلاء مبغوضيّة شربها فعليّة لا نقصان فيها من هذه الجهة عن الخمر المقدورة الداخلة في محلّ الابتلاء ، وهكذا الحال في الاضطرار إلى الأحد لا بعينه ، أو الحرج في رعاية الاحتياط في تمام الأطراف كما في حال الانسداد ، فإنّ الاضطرار والحرج وإن كانا مغيّرين للغرض الفعلي ومقيّدين لإطلاق المادّة ، لكن ذلك في خصوص صورة عروضهما على نفس العمل المورد للتكليف بخصوصه ، لا صورة عروضهما على الأحد لا بعينه من أشياء هو أحدها ومشتبه بينها ؛ فإنّ ذلك لا يوجب تقييد الغرض ، بل فعليّته وإطلاقه بعد باق بحالها ، بخلاف عروضهما على الأحد المعيّن من هذه الأشياء المشتبه بينها محلّ التكليف ، فإنّ إطلاق الغرض وفعليّته حينئذ غير محرزين ، فلا بيان على الغرض الفعلي الذي كان هو معيار الاشتغال عند العقل.