أوفدنا عليكم كل ما زاد لدينا ، أو فتح الله تعالى به علينا ، ونحن مهما شد المخنق بكم نستنصر ، أو تراخى ففي ودكم نستبصر ، أو فتح الله تعالى فأبوابكم نهني ونبشر ، وقررنا عندكم أن العدوّ في هذه الأيام توقف عن بلاد المسلمين فلم نصل منه إليها سريّة ، ولا بطشت له يد جريّة (١) ، ولا افترعت من تلقائه ثنيّة ، ولا ندري ألمكيدة تدبر ، أم آراء تنقض بحول الله وتتبّر (٢) ، أو لشاغل في الباطن لا يظهر ، وبعد ذلك وردت على بابنا من بعض كبارهم ، وزعماء أقطارهم ، مخاطبات يندبون فيها إلى جنوحها للسلم في سبيل النصح ، لأياد سلفت منّا لهم قررها ، ورسائل ذكرها ، فلم يخف عنا أنه أمر دبّر بليل ، وخبية تحت ذيل ، فظهر لنا أن نسبر الغور ، ونستفسر الأمر ، فوجهنا إليه ، على عادتنا مع سلفه لنعتبر ما لديه ، وننظر إلى بواطن أمره ، ونبحث عن زيد قومه وعمره ، فتأتي ذلك وجر مفاوضة في الصلح أعدنا لأجلها الرسالة ، واستشعرنا البسالة ، ووازنا الأحوال واختبرنا ، واعتززنا في الشروط ما قدرنا ، ونحن نرتقب ما يخلق الله تعالى من مهادنة تحصل بها الأفوات (٣) المهيأة للانتساف ، وتسكن ما ساء البلاد المسلمة من هذا الإرجاف ، ونفرغ الوقت لمطاردة هذه الآمال العجاف (٤) ، أو حرب يبلغ الاستبصار فيه غايته ، حتى يظهر الله تعالى في نصر الفئة القليلة آيته ، ولم نجعل سبب الاعتزاز فيما أردناه ، وشموخ الأنف فيما أصدرناه ، إلا ما أشعنا من عزمكم على نصرة الإسلام ، وارتقاب خفوق الأعلام ، والنهوض إلى دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام ، وأن الأرض حمية لله تعالى قد اهتزت ، والنفرة (٥) قد غلبت النفوس واستفزت ، واستظهرنا بكتبكم التي تضمنت ضرب المواعد ، وشمرت عن السواعد ، وأن الخيل قد أطلقت إلى الجهاد في سبيل الله الأعنّة ، والثنايا سدتها بروق الأسنّة (٦) ، وفرض الجهاد قد قام به المؤمنون ، والأموال قد سمح بها المسلمون ، وهذه الأمور التي تمشت بقريبها أو بعيدها أحوال الإسلام ، والأماني المعدة لتزجية (٧) الأيام ، ثم اتصل بنا الخبر الكارث (٨) بما كان من حور العزائم المؤمنة بعد كورها (٩) ،
__________________
(١) جرية : أصلها جريئة ، فقلب الهمزة ياء ثم أدغمها في الياء.
(٢) تتبر : تهلك. وفي القرآن الكريم (وَكُلًّا تَبَّرْنا تَتْبِيراً).
(٣) في ب «الأقوات».
(٤) العجاف : جمع أعجف وعجفاء : والأعجف : الدقيق من الهزال. واستعملها هنا على سبيل الاستعارة.
(٥) في ه «والنعرة».
(٦) الثنايا : جمع ثنية ، وهي الطريق في الجبل. وبروق الأسنة : أراد لمعانها الذي يشبه البرق.
(٧) تزجية الأيام : دفعها برفق.
(٨) الخبر الكارث : الذي يشتد له الحزن لشدته وقسوته.
(٩) الحور : النقصان. والكور : الزيادة.