وتسويف مواعد النصرة بعد استشعار فورها ، وأن الحركة معملة إلى مراكش الجهة التي في يديكم زمامها ، وإليكم وإن تراخى الطول ترجع أحكامها ، والقطر الذي لا يفوتكم مع الغفلة ، ولا يعجزكم عن الصولة ، ولا يطلبكم إن تركتموه ، ولا يمنعكم إن طرقتموه وعركتموه ، فسقط في الأيدي الممدودة ، واختلفت المواعد المحدودة ، وخسئت الأبصار المرتقبة ، ورجفت (١) المعاقل الأشبة ، وساءت الظنون ، وذرفت العيون ، وأكذب الفضلاء الخبر ، ونفوا أن يعتبر ، وقالوا : هذا لا يمكن حيث الدين الحنيف ، والملك المنيف ، والعلماء الذين أخذ الله تعالى ميثاقهم ، وحمّل النصيحة أعناقهم ، هذا المفترض الذي يبعد ، والقائم الذي يقعد ، يأباه الله تعالى والإسلام ، وتأباه العلماء الأعلام (٢) ، وتأباه المآذن والمنابر ، وتأباه الهمم والأكابر ، فبادرنا نستطلع طلع هذا النبأ الذي إذا كان باطلا فهو الظن ، ولله المن ، وإن كان خلافه لرأي ترجّح ، وتنفّق بقرب الملك وتبجح ، فنحن نوفد كل من يقدم إلى الله تعالى بهذا القطر في شفاعه ، ويمد إليه كف ضراعه ، ومن يوسم بصلاح وعباده ، ويقصد في الدين بثّ إفاده ، يتطارحون عليكم في نقض ما أبرم ، ونسخ ما أحكم ، فإنكم تجنون به على من استنصركم عكس ما قصد ، وتحلون عليه ما عقد ، وهب العذر يقبل في عدم الإعانة ، وضرورة الاستعانة والاستكانة ، أي عذر يقبل في الإطراح ، والإعراض الصّراح (٣)؟ كأن الدين غير واحد ، كأن هذا القطر لكلمة الإسلام جاحد ، كأن ذمام الإسلام غير جامع ، كأن الله غير راء ولا سامع ، فنحن نسألكم الله الذي تساءلون به والأرحام ، ونأنف لكم من هذا الإحجام ، ونتطارح عليكم أن تتركوا حظكم في أهل تلك الجهة حتى يحكم الله بيننا وبين العدو الذي يتكالب علينا بإدباركم ، بعد ما تضاءل لاستنفاركم ولا نكلفكم غير اقتراب داركم ، وما سامكم المسلمون بها شططا ، ولا (٤) حملوكم إلا قصدا وسطا ، وما ذهبتم إليه لا يفوت ، ولا يبعد وقد تجاورت البيوت ، إنما الفائت ما وراءكم ، من حديث تأنف من سماعه أودّاؤكم (٥) ، ودين يشمت به أعداؤكم ، فأسعفوا بالشفاعة فيمن بتلك الجهة المراكشية قصدنا ، وحاشا إحسانكم أن يرى فيه ردّنا ، وأنتم بعد بالخيار فيما يجريه الله على يديكم من قدره ، أو يلهمكم إليه من نصره ،
__________________
(١) المعاقل : جمع معقل ، وهو الحصن. ورجفت المعاقل : ارتجت. والأشبة : أراد القوية ، والأشب في الأصل : الملتف المشتبك من الشجر.
(٢) في ب «العلماء والأعلام».
(٣) الصراح : الخالص الذي لا شائبة فيه.
(٤) في ب ، ه «وما حملوكم».
(٥) أوداؤكم : الذين يصفون لكم الود ، ويخلصون لكم.