فذكركم ما زلت أتلوه دائبا |
|
إذا ذكروا ما بين سلمى ومنعج (١) |
فلمّا فرغ من استهلاله وعمله قبّلت رأسه ، وقلت له : لا أدري علام أشكرك قبل ، هل على تعجيلك بما لم تدعني أسألك في شأنه أم على ما تفردت بإحسانه؟ فما هذا الصوت؟ قال : هذا نشيد خسروانيّ من تلحيني ، قال : وأنشدني لنفسه : [الطويل]
حننت إلى صوت النواعير سحرة |
|
فأضحى فؤادي لا يقرّ ولا يهدا |
وفاضت دموعي مثل فيض دموعها |
|
أطارحها تلك الصبابة والوجدا |
وزاد غرامي حين أكثر عاذلي |
|
فقلت له أقصر ولا تقدح الزّندا |
أهيم بهم في كلّ واد صبابة |
|
وأزداد مع طول البعاد لهم ودّا |
وأنشدني لنفسه : [الكامل]
ولقد مررت على المنازل بعدهم |
|
أبكي وأسأل عنهم وأنوح |
وأقول إن سألوا بحالي في النوى |
|
ما حال جسم فارقته الروح |
قال : وكتب إليّ : [البسيط]
يا حسرة ما قضت من لذّة وطرا |
|
أين الزمان الذي يرجى به الخلف (٢) |
أبكيك ملء جفوني ثم يرجعني |
|
إلى التصبّر أني سوف أنصرف |
قال أبو عمران : وكنت في أيام الفتنة إذا ركنت إلى الآمال ، هونت على نفسي ما ألقى من أهوالها بقولي مع خاطري قوله :
أين الزمان الذي يرجى به الخلف
انتهى.
وكان أبو الحسين علي بن الحمارة (٣) ممّن برع في الألحان وعلمها ، وهو من أهل غرناطة ، واشتهر عنه أنه كان يعمد إلى الشّعراء (٤) ، فيقطع العود بيده ، ثم يصنع منه عودا
__________________
(١) يشير إلى قول الشاعر :
أحب بلاد الله ما بين منعج |
|
إلي وسلمى أن يصوب سحابها |
بلاد بها حل الشباب تمائمي |
|
وأول أرض مسّ جلدي ترابها |
(٢) الوطر : الحاجة.
(٣) انظر المغرب ج ٢ ص ١٢٠.
(٤) الشّعراء : الشجر.