قبره عند انفصالهم من مصلاهم ، واختيالهم بزينتهم حلاهم ، وقال بعد أن طاف بقبره والتزمه ، وخرّ على تربه ولثمه : [الكامل]
ملك الملوك ، أسامع فأنادي |
|
أم قد عدتك عن السماع عوادي |
لمّا خلت منك القصور فلم تكن |
|
فيها كما قد كنت في الأعياد |
قبّلت من هذا الثرى لك خاضعا |
|
وتخذت قبرك موضع الإنشاد (١) |
وهي قصيدة أطال إنشادها ، وبنى بها اللواعج وشادها ، فانحشر الناس إليه وانحفلوا ، وبكوا ببكائه وأعولوا ، وأقاموا أكثر نهارهم مطيفين به طواف الحجيج ، مديمين للبكاء والعجيج ، ثم انصرفوا وقد نزفوا ماء عيونهم ، وأقرحوا مآقيهم بفيض شؤونهم ، وهذه نهاية كل عيش ، وغاية كل ملك وجيش ، والأيام لا تدع حيّا ، ولا تألو كلّ نشر طيّا ، تطرق رزاياها كل سمع ، وتفرق مناياها كل جمع ، وتصمي كلّ ذي أمر ونهي (٢) ، وترمي كل مشيد بوهي (٣) ، ومن قبله طوت (٤) النعمان ابن الشقيقة ، ولوت مجازه في تلك الحقيقة. انتهى ما قصدنا جلبه من كلام الفتح ممّا يدخل في أخبار المعتمد بن عباد المناسبة لما مرّ.
وكلام الفتح كلّه الغاية ، وليس الخبر كالعيان ، ولذا قال بعض من عرّف به : إنه أراد أن يفضح الشعراء الذين ذكرهم في كتبه بنثره ، سامحه الله تعالى!
وأخبار المعتمد رحمه الله تعالى تحتمل مجلّدات ، وآثاره إلى الآن بالغرب مخلّدات ، وكان من النادر الغريب قولهم في الدعاء للصلاة على جنازته «الصّلاة على الغريب» بعد اتّساع ملكه ، وانتظام سلكه ، وحكمه على إشبيلية وأنحائها ، وقرطبة وزهرائها ، وهكذا شأن الدنيا في تدريسها نحو ندبتها وإغرائها.
وقد توجّه لسان الدين الوزير بن الخطيب إلى أغمات لزيارة قبر المعتمد رحمه الله تعالى ، ورأى ذلك من المهمات ، وأنشد على قبره أبياته الشهيرة التي ذكرتها في جملة نظمه الذي هو أرقّ من النسيم ، وأبهج من المحيّا الوسيم.
قلت : وقد زرت أنا قبر المعتمد والرّميكية أمّ أولاده ، حين كنت بمراكش المحروسة عام عشرة وألف ، وعمّي عليّ أمر القبر المذكور ، وسألت عنه من تظن معرفته له ، حتى هداني إليه
__________________
(١) في ب ، ه : «قبلت في هذا الثرى».
(٢) تصمي : تصيب وتقتل.
(٣) الوهي : الشق في كل شيء.
(٤) في ه : «ومن قبله ماطوت النعمان ...».