وفي أهل بلنسية يقول بعض الشعراء حين خرجوا في ثياب الزينة والترفه : [الكامل]
لبسوا الحديد إلى الوغى ولبستم |
|
حلل الحرير عليكم ألوانا |
ما كان أقبحهم وأحسنكم بها |
|
لو لم يكن ببطرنة ما كانا |
قال ابن بسام : وهكذا جرى لأهل طليطلة ، فإن العدو ـ خذله الله تعالى! ـ استظهر عليهم (١) ، وقتل جماهيرهم ، وكان من جملة ما غنمه الفرنج من أهلها لما خرجوا إليهم في ثياب الترفه ألف غفارة (٢) خارجا عما سواها.
وقال ابن حيان : وكان تغلب العدو ـ خذله الله تعالى! ـ على بربشتر قصبة بلد برطانية ، وهي تقرب من سرقسطة ، سنة ست وخمسين وأربعمائة ، وذلك أن جيش الأرذمليس (٣) نازلها وحاصرها ، وقصّر يوسف بن سليمان بن هود في حمايتها ، ووكل أهلها إلى نفوسهم ، فأقام العدو عليها أربعين يوما ، ووقع فيما بين أهلها تنازع في القوت لقلته ، واتصل ذلك بالعدو ، فشدّد القتال عليها والحصر لها حتى دخل المدينة الأولى في خمسة آلاف مدرّع ، فدهش الناس ، وتحصنوا بالمدينة الداخلة ، وجرت بينهم حروب شديدة قتل فيها خمسمائة إفرنجي ، ثم اتفق أن القناة التي كان الماء يجري فيها من النهر إلى المدينة تحت الأرض في سرب (٤) موزون انهارت وفسدت ، ووقعت فيها صخرة عظيمة سدت السّرب بأسره ، فانقطع الماء عن المدينة ، ويئس من بها من الحياة ، فلاذوا بطلب الأمان على أنفسهم خاصة دون مال وعيال ، فأعطاهم العدو الأمان ، فلما خرجوا نكث بهم وغدر ، وقتل الجميع إلا القائد ابن الطويل والقاضي ابن عيسى في نفر من الوجوه ، وحصل للعدو من الأموال والأمتعة (٥) ما لا يحصى ، حتى إن الذي خص بعض مقدّمي العدو لحصنه وهو قائد خيل رومة نحو ألف وخمسمائة جارية أبكارا ، ومن أوقار الأمتعة والحلي والكسوة خمسمائة جمل ، وقدّر من قتل وأسر مائة ألف نفس ، وقيل : خمسون ألف نفس ، ومن نوادر ما جرى على هذه المدينة لما فسدت القناة وانقطعت المياه أن المرأة كانت تقف على السور وتنادي من يقرب منها أن يعطيها جرعة ماء لنفسها أو ولدها (٦) ، فيقول لها : اعطيني ما معك ، فتعطيه ما معها من كسوة وحلي وغيره.
__________________
(١) استظهر عليهم : قوي ، وتمكن منهم.
(٢) الغفارة : منديل تغطي المرأة به رأسها ، أو زرد من الدرع يلبس تحت القلنسوة ، وكلا المعنين ممكن هنا.
(٣) في ب «الأردمليس».
(٤) السّرب ، والسّرب : قناة الماء.
(٥) أوقار الأمتعة : الأمتعة الثقيلة وأراد أحمالا ثقالا من الأمتعة.
(٦) في ب ، ه «أو لولدها».