يلقّب أيام سلطانهم من الألقاب السلطانية بفخر الدولة ، فنظر إليه وهو ينفخ الفحم بقصبة الصائغ ، وقد جلس في السوق يتعلّم الصياغة ، فقال : [البسيط]
شكاتنا لك يا فخر العلا عظمت |
|
والرزء يعظم ممّن قدره عظما (١) |
طوّقت من نائبات الدهر مخنقة |
|
ضاقت عليك وكم طوّقتنا نعما |
وعاد طوقك في دكان قارعة |
|
من بعد ما كنت في قصر حكى إرما |
صرّفت في آلة الصوّاغ أنملة |
|
لم تدر إلّا الندى والسيف والقلما |
يد عهدتك للتقبيل تبسطها |
|
فتستقلّ الثّريّا أن تكون فما |
يا صائغا كانت العليا تصاغ له |
|
حليا وكان عليه الحلي منتظما |
للنفخ في الصّور هول ما حكاه سوى |
|
هول رأيتك فيه تنفخ الفحما |
وددت إذ نظرت عيني إليك به |
|
لو أنّ عيني تشكو قبل ذاك عمى |
ما حطّك الدهر لما حطّ عن شرف |
|
ولا تحيّف من أخلاقك الكرما |
لح في العلا كوكبا ، إن لم تلح قمرا |
|
وقم بها ربوة ، إن لم تقم علما (٢) |
واصبر فربتما أحمدت عاقبة |
|
من يلزم الصبر يحمد غبّ ما لزما |
والله لو أنصفتك الشهب لا نكسفت |
|
ولو وفى لك دمع الغيث لانسجما (٣) |
أبكى حديثك حتى الدّر حين غدا |
|
يحكيك رهطا وألفاظا ومبتسما |
وقال لسان الدين بن الخطيب رحمه الله تعالى : وقفت على قبر المعتمد بن عباد بمدينة أغمات في حركة راحة أعملتها إلى الجهات المراكشية ، باعثها لقاء الصالحين ومشاهدة الآثار سنة ٧٦١ ، وهو بمقبرة أغمات في نشز (٤) من الأرض ، وقد حفّت به سدرة (٥) ، وإلى جانبه قبر اعتماد حظيّته مولاة رميك ، وعليهما هيئة التغرّب ومعاناة الخمول من بعد الملك ، فلا تملّك العين دمعها عند رؤيتها ، فأنشدت في الحال : [البسيط]
قد زرت قبرك عن طوع بأغمات |
|
رأيت ذلك من أولى المهمات |
لم لا أزورك يا أندى الملوك يدا |
|
ويا سراج الليالي المدلهمّات (٦) |
وأنت من لو تخطّى الدهر مصرعه |
|
إلى حياتي لجادت فيه أبياتي |
__________________
(١) الرزء : المصيبة.
(٢) العلم : الجبل.
(٣) لانسجما : لهطل غزيرا.
(٤) النشز : الأرض المرتفعة.
(٥) السدرة : شجرة النبق.
(٦) المدلهمات : الشديدة الظلمة.