قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

نفح الطّيب [ ج ٥ ]

42/444
*

يلقّب أيام سلطانهم من الألقاب السلطانية بفخر الدولة ، فنظر إليه وهو ينفخ الفحم بقصبة الصائغ ، وقد جلس في السوق يتعلّم الصياغة ، فقال : [البسيط]

شكاتنا لك يا فخر العلا عظمت

والرزء يعظم ممّن قدره عظما (١)

طوّقت من نائبات الدهر مخنقة

ضاقت عليك وكم طوّقتنا نعما

وعاد طوقك في دكان قارعة

من بعد ما كنت في قصر حكى إرما

صرّفت في آلة الصوّاغ أنملة

لم تدر إلّا الندى والسيف والقلما

يد عهدتك للتقبيل تبسطها

فتستقلّ الثّريّا أن تكون فما

يا صائغا كانت العليا تصاغ له

حليا وكان عليه الحلي منتظما

للنفخ في الصّور هول ما حكاه سوى

هول رأيتك فيه تنفخ الفحما

وددت إذ نظرت عيني إليك به

لو أنّ عيني تشكو قبل ذاك عمى

ما حطّك الدهر لما حطّ عن شرف

ولا تحيّف من أخلاقك الكرما

لح في العلا كوكبا ، إن لم تلح قمرا

وقم بها ربوة ، إن لم تقم علما (٢)

واصبر فربتما أحمدت عاقبة

من يلزم الصبر يحمد غبّ ما لزما

والله لو أنصفتك الشهب لا نكسفت

ولو وفى لك دمع الغيث لانسجما (٣)

أبكى حديثك حتى الدّر حين غدا

يحكيك رهطا وألفاظا ومبتسما

وقال لسان الدين بن الخطيب رحمه الله تعالى : وقفت على قبر المعتمد بن عباد بمدينة أغمات في حركة راحة أعملتها إلى الجهات المراكشية ، باعثها لقاء الصالحين ومشاهدة الآثار سنة ٧٦١ ، وهو بمقبرة أغمات في نشز (٤) من الأرض ، وقد حفّت به سدرة (٥) ، وإلى جانبه قبر اعتماد حظيّته مولاة رميك ، وعليهما هيئة التغرّب ومعاناة الخمول من بعد الملك ، فلا تملّك العين دمعها عند رؤيتها ، فأنشدت في الحال : [البسيط]

قد زرت قبرك عن طوع بأغمات

رأيت ذلك من أولى المهمات

لم لا أزورك يا أندى الملوك يدا

ويا سراج الليالي المدلهمّات (٦)

وأنت من لو تخطّى الدهر مصرعه

إلى حياتي لجادت فيه أبياتي

__________________

(١) الرزء : المصيبة.

(٢) العلم : الجبل.

(٣) لانسجما : لهطل غزيرا.

(٤) النشز : الأرض المرتفعة.

(٥) السدرة : شجرة النبق.

(٦) المدلهمات : الشديدة الظلمة.