بها على حكمه ، وخرج ابن ذي النون منها على أقبح صورة ، وأفظع سيرة ، ورآه الناس وبيده اصطرلاب يأخذ به وقتا يرحل فيه ، فتعجب منه المسلمون ، وضحك عليه الكافرون ، وبسط الكافر العدل على أهل المدينة ، وحبب التنصر إلى عامة طغامها (١) ، فوجد المسلمون من ذلك ما لا يطاق حمله ، وشرع في تغيير الجامع كنيسة في ربيع الأول سنة ست وتسعين وأربعمائة.
ومما جرى في ذلك اليوم أن الشيخ الأستاذ المغامي (٢) رحمه الله تعالى صار إلى الجامع ، وصلى فيه ، وأمر مريدا له بالقراءة ، ووافاه الفرنج لعنهم الله تعالى وتكاثروا لتغيير القبلة ، فما جسر أحد منهم على إزعاج الشيخ ولا معارضته ، وعصمه الله تعالى منهم ، إلى أن أكمل القراءة ، وسجد سجدة ، ورفع رأسه ، وبكى على الجامع بكاء شديدا ، وخرج ولم يعرض أحد له بمكروه.
وقيل لملك النصارى : ينبغي أن تلبس التاج كمن كان قبلك في هذا الملك ، فقال : حتى نأخذ قرطبتهم ، وأعد لذلك ناقوسا تأنق فيه وفيما رصّع به من الجواهر ، فأكذبه الله وأزعجه (٣).
وورد أمير المسلمين وناصر الدين يوسف بن تاشفين ، فما قصر فيما أثر من إذلال المشركين ، وإرغام الكافرين ، واستدراك أمور المسلمين ، انتهى ملخصا ، وقد مر مطولا.
وكانت قبلها وقعة بطرنة سنة ست وخمسين وأربعمائة ، وذلك أن الفرنج ـ خذلهم الله تعالى! ـ انتدبت منهم قطعة كثيفة ، ونزلت على بلنسية في السنة المذكورة ، وأهلها جاهلون بالحرب ، معرضون (٤) عن أمر الطعن والضرب ، مقبلون على اللذات من الأكل والشرب ، وأظهر الفرنج الندم على منازلتها ، والضعف عن مقاومة من فيها ، وخدعوهم بذلك فانخدعوا ، وأطمعوهم فطمعوا ، وكمن (٥) في عدة أماكن جماعة من الفرسان ، وخرج أهل البلد بثياب زينتهم ، وخرج معهم أمير هم عبد العزيز بن أبي عامر ، فاستدرجهم العدو لعنهم الله تعالى ، ثم عطفوا عليهم فاستأصلوهم بالقتل والأسر ، وما نجا منهم إلا من حصّنه أجله ، وخلص الأمير نفسه ، ومما حفظ عنه أنه أنشد لما أعياه الأمر : [الطويل]
خليليّ ليس الرّأي في صدر واحد |
|
أشيرا عليّ اليوم ما تريان |
__________________
(١) الطغام : أرذال الناس.
(٢) هكذا في أ، ب ، ه ، وفي ج «المقامي».
(٣) أزعجه : طرده ، وقلعه من مكانه.
(٤) في ب «مغترون بأمر الطعن والضرب».
(٥) في ب «وكمّنوا في عدة أماكن جماعة من الفرسان».