ويفضح الرضا في وصفه أيام ذي سلم ، وكان قومه وبنوه لتلك الحلبة زينا ، ولتلك الجملة عينا ، إن ركبوا خلت الأرض فلكا يحمل نجوما ، وإن وهبوا رأيت الغمام سجوما (١) ، وإن أقدموا أحجم عنترة العبسي ، وإن فخروا أفحم عرابة الأوسي (٢) ، ثم انحرفت الأيام فألوت بإشراقه ، وأذوت يانع إيراقه ، فلم يدفع الرمح ولا الحسام ، ولم تنقع تلك المنن الجسام ، فتملك بعد الملك ، وحط من فلكه إلى الفلك ، فأصبح خائضا تحدوه الرياح ، وناهضا يزجيه البكاء والصياح ، قد ضجت عليه أياديه ، وارتجت جوانب ناديه ، وأضحت منازله قد بان عنها الأنس والحبور ، وألوت ببهجتها الصّبا والدّبور. فبكت العيون عليه دما ، وعاد موجود الحياة عدما ، وصار أحرار الدهر فيه خدما ، فسحقا لدنيا ما رعت حقوقه ، ولا أبقت شروقه ، فكم أحياها لبنيها ، وأبداها رائقة لمجتنيها (٣) ، وهي الأيام لا يتقي من تجنيها (٤) ، ولا تبقي على مواليها ومدانيها ، أدثرت آثار جلق ، وأخمدت نار المحلق ، وذللت عزة ابن شداد (٥) ، وهدت القصر ذا الشّرفات من سنداد ، ونعمت ببؤس النعمان ، وأكمنت غدرها له في طلب الأمان ، انتهى.
ثم ذكر الفتح من أخباره وأشعاره ومجالس أنسه وغير ذلك من أمره نبذا ذكرنا بعضها في هذا الكتاب.
وقال في ترجمة ابنه الراضي بالله أبي خالد يزيد بن المعتمد ما نصه (٦) : ملك تفرع من دوحة سناء ، أصلها ثابت وفرعها في السماء ، وتحدّر من سلالة أكابر ، ورقاة أسرّة ومنابر ، وتصرف أثناء شبيبته بين دراسة معارف ، وإفاضة عوارف ، وكلف بالعلم حتى صار ملهج لسانه ، وروضة أجفانه ، لا يستريح منه إلا إلى فرس سائل الغرّة (٧) ، ميمون الأسرّة ، يسابق به الرياح ، ويحاسن بغرّته البدر الليّاح ، عريق في السناء ، عتيق الاقتناء ، سريع الوخد والإرقال ، من آل أعوج أو ولد لذي العقال (٨) ، إلى أن ولاه أبوه الجزيرة الخضراء ، وضم إليها رندة الغراء ، فانتقل من متن الجواد ، إلى ذروة الأعواد ، وأقلع عن الدراسة ، إلى تدبير الرياسة ، وما
__________________
(١) في ب ، ه «رأيت الغمائم سجوما».
(٢) في ه «أقصر عرابة الأوسي» وعرابة هو ممدوح الشماخ بن ضرار.
(٣) في أصل ه «لمجتليها».
(٤) في أصل ه «لا تقي من تجنيها».
(٥) في أصل ه «وذللت عزة عاد بن شداد».
(٦) انظر القلائد ص ٣١.
(٧) في ب ، ه «إلا إلى متن سائل الغرّة».
(٨) في ب «أو لذي العقال».