بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٦٧
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

وروى علي بن زيد عن ابي نضرة قال : أسلم علي عليه‌السلام وهو ابن أربع عشرة سنة ، وكان له يومئذ ذؤابة يختلف إلى الكتاب.

وروى عبدالله بن زياد عن محمد بن علي قال : أول من آمن بالله علي بن أبي طالب عليه‌السلام وهو ابن إحدى عشرة سنة.

وروى الحسن بن زيد قال : أول من أسلم علي بن أبي طالب عليه‌السلام وهو ابن خمس عشرة. وقد قال عبدالله بن أبي سفيان :

وصلى علي مخلصا بصلاته

لخمس وعشر من سنيه كوامل

وخلى اناسا بعده يتبعونه

له عمل أفضل به صنع عامل

وروى سلمة بن كهيل عن أبيه عن حبة بن جوين العرني قال : أسلم علي صلوات الله عليه وكان له ذؤابة يختلف إلى الكتاب.

على أنا لو سلمنا لخصومنا ما ادعوه من أنه عليه‌السلام كان له عند المبعث سبع سنين لم يدل ذلك على صحة ما ذهبوا إليه من أن إيمانه على وجه التلقين (١) دون المعرفة واليقين ، وذلك أن صغر السن لا ينافي كمال العقل (٢) ، وليس دليل وجوب التكليف بلوغ الحلم فيراعى ذلك ، هذا باتفاق أهل النظر والعقول ، وإنما يراعى بلوغ الحلم في الاحكام الشرعية دون العقلية ، وقد قال سبحانه في قصة يحيى « وآتيناه الحكم صبيا (٣) » وقال في قصة عيسى : « فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا * قال إني عبدالله آتاني الكتاب وجعلني نبيا * وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا (٤) » فلم ينف صغر سن هذين النبيين عليهما‌السلام كمال عقلهما أو الحكمة التي آتاهما الله سبحانه ، ولو كانت العقول تحيل ذلك لاحالته في كل أحد (٥) وعلى كل حال ، وقد أجمع أهل التفسير إلا من شذ عنهم في قوله تعالى : « وشهد

____________________

(١) في المصدر : كان على وجه التلقين.

(٢) في المصدر : لا يدل على ما ينافى كمال العقل.

(٣) سورة مريم : ١٢.

(٤) سورة مريم : ٢٩ ٣١.

(٥) في المصدر : لاحالته على كل أحد.

٢٨١

شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين * وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين (١) » أنه كان طفلا صغيرا في المهد أنطقه الله عزوجل حتى برأ يوسف من الفحشاء وأزال عنه التهمة.

والناصبة إذا سمعت هذا الاحتجاج قالت : إن هذا الذي ذكرتموه (٢) فيمن عددتموه كان معجزا لخرقه العادة ودلالة لنبي من أنبياء الله عزوجل ، فلو كان أميرالمؤمنين عليه‌السلام مشاركا لمن وصفتموه في خرق العادة لكان معجزا له عليه‌السلام وللنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وليس يجوز أن يكون المعجزله ، ولو كان للنبي لجعله في معجزاته واحتج به في جملة بيناته ، ولجعله المسلمون في آياته ، فلما لم يجعله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لنفسه علما ولا عده المسلمون في معجزاته ، علمنا أنه لم يجر فيه الامر على ماذكرتموه ، فيقال لهم : ليس كل ما خرق الله به العادة وجب أن يكون علما ، ولا لزم أن يكون معجزا ، ولا شاع علمه في العالم ، ولا عرف من جهة الاضطرار ، وإنما المعجز العلم هو خرق العادة عند دعوة داع أو براءة معروف (٣) يجري براءته مجرى التصديق له في مقاله ، بل هي تصديق في المعنى وإن لم يكن تصديقا بنفس اللفظ والقول ، وكلام عيسى عليه‌السلام إنما كان معجزا لتصديقه له في قوله : « إني عبدالله آتاني الكتاب وجعلني نبيا » مع كونه خرقا للعادة وشاهدا لبراءة امه من الفاحشة ، ولصدقها فيما ادعته من الطهارة ، وكانت حكمة يحيى عليه‌السلام في حال صغره تصديقا له في دعوته في الحال ولدعوة أبيه زكريا ، فصارت مع كونها خرق العادة (٤) دليلا ومعجزا ، وكلام الطفل في براءة يوسف إنما كان معجزا لخرق العادة بشهادته ليوسف عليه‌السلام للصدق في براءة ساحته ، ويوسف عليه‌السلام نبي مرسل ، فثبت أن الامر على ما ذكرناه ، ولم يك كمال عقل أميرالمؤمنين عليه‌السلام شاهدا في شئ مما ادعاه (٥) ولا استشهد

____________________

(١) سورة يوسف : ٢٦ و ٢٧.

(٢) في المصدر : أن الذى ذكرتموه.

(٣) كذا في النسخ ، وهو سهو ، والصحيح ما في المصدر (أو براءة مقذوف) وقذفه. رماه واتهمه بربية.

(٤) في المصدر : مع كونها خرقا للعادة.

(٥) في المصدر : ممادعا عليه.

٢٨٢

هو عليه‌السلام به فيكون مع كونه خرقا للعادة معجزا ، ولو استشهد به عليه‌السلام أو شهد على حد ما شهد الطفل ليوسف وكلام عيسى له ولامه وكلام يحيى لابيه بما يكون في المستقبل والحال لكان لخصومنا وجه للمطالبة بذكر ذلك في المعجزات ، لكن لاوجه له على ما بيناه.

على أن كمال عقل أميرالمؤمنين لم يكن ظاهرا للحواس ولا معلوما بالاضطرار فيجري مجرى كلام المسيح وحكمة يحيى وكلام شاهد يوسف فيمكن الاعتماد عليه في المعجزات ، وإنما كان طريق العلم به مقام الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) والاستدلال الشاق بالنظر الثاقب والسبر (٢) لحاله عليه‌السلام وعلى مرور الاوقات بسماع كلامه والتأمل لاستدلالاته والنظر فيما يؤدي إلى معرفته وفطنته ، ثم لا يحصل ذلك إلا لخاص من الناس (٣) ومن عرف وجوه الاستنباطات ، وما جرى هذا المجرى فارق حكمه حكم ما سلف للانبياء من المعجزات وما كان لنبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله من الاعلام ، إذ تلك بظواهرها تقدح (٤) في القلوب اسباب اليقين وتشترك الجميع في علم الحال الظاهرة منها المنبئة عن خرق العادات ، دون أن تكون مقصورة على ما ذكرناه من البحث الطويل والاستقراء للاحوال على مرور الاوقات أو الرجوع فيه إلى نفس قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي يحتاج في العلم به إلى النظر في معجز غيره والاعتماد على ما سواه من البينات ، فلا ينكر أن يكون الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله إنما عدل عن ذكر ذلك واحتجاجه به في جملة آياته لما وصفناه.

وشئ آخر وهو أنه لا ينكر (٥) أن يكون الله سبحانه علم من مصلحة خلقه الكف من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الاحتجاج بذلك ، والدعاء إلى النظر فيه ، وأن اعتماده على ما ظاهره خرق العادة أولى في مصلحة الدين ، وشئ آخر وهو أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وإن لم يحتج به على التفصيل والتعيين فقد فعل ما يقوم مقام الاحتجاج به على البصيرة واليقين ، فابتدأ

____________________

(١) في المصدر : قول رسول الله.

(٢) السير : التجربة والاختبار.

(٣) في المصدر : الالخلص من الناس.

(٤) أى تؤثر.

(٥) في المصدر : لاننكر.

٢٨٣

عليا عليه‌السلام بالدعوة قبل الذكور كلهم ممن ظاهره البلوغ ، وافتتح بدعوته قبل أداء رسالته واعتمد عليه في إيداعه سره ، وأودعه ما كان خائفا من ظهوره عنه ، فدل باختصاصه بذلك على ما يقوم مقام قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنه معجز له وإن بلوغ عقله علم على صدقه ، ثم جعل ذلك من مفاخره وجليل مناقبه وعظيم فضائله ، ونوه بذكره وشهره بين أصحابه ، واحتج له به في اختصاصه ، وكذلك فعل أميرالمؤمنين صلوات الله عليه في ادعائه له ، فاحتج به على خصومه وتمدح به بين أوليائه وأعدائه ، وفخر به على جميع أهل زمانه ، وذلك هو معنى النطق بالشهادة بالمعجز له ، بل هو الحجة في كونه نائبا بالقوم (١) بما خصه الله تعالى منه ، ونفس الاحتجاج بعلمه ودليل الله وبرهانه ، وهذا يسقط ما اعتمدوه.

ومما يدل على أن أميرالمؤمنين صلوات الله عليه كان عند بعثة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالغا مكلفا وأن إيمانه به كان بالمعرفة والاستدلال وأنه وقع على أفضل الوجوه وآكدها في استحقاق عظيم الثواب أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مدحه به وجعله من فضائله وذكره في مناقبه ، ولم يك بالذي يفضل بما ليس بفضل ويجعل في المناقب ما لا يدخل في جملتها ، ويمدح على ما لا يستحق عليه الثواب ، فلما مدح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أميرالمؤمنين عليه‌السلام بتقدمه الايمان فيما ذكرناه آنفا من قوله لفاطمة عليها‌السلام : « أما ترضين أني زوجتك أقدمهم سلما؟ » وقوله في رواية سلمان : « أول هذه الامة ورودا على نبيها الحوض أولها إسلاما علي بن أبي طالب » وقوله : « لقد صلت الملائكة علي وعلى علي سبع سنين وذلك أنه لم يكن من الرجال أحد يصلي غيري وغيره » وإذا كان الامر على ما وصفناه فقد ثبت أن إيمانه عليه‌السلام وقع بالمعرفة واليقين دون التقليد والتلقين ، لا سيما وقد سماه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إيمانا وإسلاما ، وما يقع من الصبيان على وجه التلقين لا يسمى على الاطلاق الديني إيمانا وإسلاما.

ويدل على ذلك أيضا أن أميرالمؤمنين صلوات الله عليه قد تمدح به وجعله من مفاخره واحتج به على أعدائه ، وكرره في غير مقام من مقاماته ، حيث يقول : « اللهم إني لا أعرف عبدا لك من هذا الامة عبدك قبلي » وقوله عليه‌السلام : « أنا الصديق الاكبر

____________________

(١) في المصدر : نائبا في القول.

٢٨٤

آمنت قبل أن يؤمن أبوبكر وأسلمت قبل أن يسلم » وقوله صلوات الله عليه لعثمان : « أنا خير منك ومنهما ، عبدت الله قبلهما وعبدت الله بعدهما » وقوله : « أنا أول ذكر صلى » وقوله عليه‌السلام : « على من أكذب ، أعلى الله فأنا أول من آمن به وعبده » فلو كان إيمانه على ما ذهبت إليه الناصبة من جهة التلقين ولم يكن له معرفة ولا علم بالتوحيد لما جاز منه عليه‌السلام أن يتمدح بذلك ، ولا أن يسميه عبادة ، ولا أن يفخر به (١) على القوم ، ولا أن يجعله تفضيلا له على أبي بكر وعمر ، ولو أنه فعل من ذلك ما لا يجوز لرده عليه مخالفوه ، واعترضه فيه مضادوه ، وحاجه في بطلانه مخاصموه ، وفي عدول القوم عن الاعتراض عليه في ذلك وتسليم الجماعة له ذلك دليل على ما ذكرناه ، وبرهان على فساد قول الناصبة الذي حكيناه ، وليس يمكن أن يدفع ما رويناه في هذا الباب من الاخبار لشهرتها وإجماع الفريقين من الناصبة والشيعة على روايتها ، ومن تعرض للطعن فيها مع ماشرحناه لم يمكنه الاعتماد على تصحيح خبر وقع في تأويله الاختلاف ، وفي ذلك إبطال جمهور الاخبار وإفساد عامة الآثار ، وهب من لا يعرف الحديث ولا خالط أهل العلم (٢) يقدم على إنكار بعض ما رويناه ، أو يعاند فيه بعض العارفين به ويغتنم الفرصة بكونه خاصا في أهل العلم ، كيف يمكن دفع شعر أميرالمؤمنين عليه‌السلام في ذلك وقد شاع من شهرته على حد يرتفع فيه الخلاف وانتشر حتى صار مسموعا من العامة فضلا عن الخواص (٣) في قوله عليه‌السلام :

محمد النبي أخي وصنوي

وحمزة سيد الشهداء عمي

وجعفر الذي يضحي ويمسي

يطير مع الملائكة ابن امي

وبنت محمد سكني وعرسي

مساط لحمها بدمي ولحمي (٤)

وسبطا أحمد ولد اي منها

فمن فيكم له سهم كسهمي؟! (٥)

____________________

(١) في المصدر : ولا ان يفتخر به.

(٢) في المصدر : حملة العلم.

(٣) في المصدر : حتى صار مذكورا مسموعامن العامة فضلا عن الخاصة.

(٤) ساط الشئ : خلطه. والمساط : المخلوط.

(٥) في المصدر : فأيكم له سهم كسهمى.

٢٨٥

سبقتكم إلى الاسلام طرا

على ما كان من علمي وفهمي (١)

وأوجب لي الولاء معا عليكم

خليلي يوم دوح غدير خم (٢)

وفي هذا الشعر كفاية في البيان عن تقدم إيمانه عليه‌السلام وأنه وقع مع المعرفة بالحجة والبيان ، وفيه أيضا أنه كان الامام بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بدليل المقام الظاهر في يوم الغدير الموجب للاستخلاف (٣).

ومما يؤيد ما ذكرناه ما رواه عبدالله بن الاسود البكري عن محمد بن عبيد الله ابن أبي رافع عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صلى يوم الاثنين وصلت خديجة معه ، ودعا عليا عليه‌السلام إلى الصلاة معه يوم الثلثاء ، فقال له : أنظرني حتى ألقى أبا طالب ، فقال : له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنها أمانة ، فقال علي عليه‌السلام : فإن كانت أمانة فقد أسلمت لك ، فصلى معه وهو ثاني يوم البعث.

وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس مثله ، وقال في حديثه : إن هذا دين يخالف دين أبي حتى أنظر فيه واشاور أبا طالب ، فقال له النبي : انظرواكتم ، قال : فمكث هنيئة ثم قال : بل أجبتك واصدق بك ، فصدقه وصلى معه. وروى هذا المعنى بعينه وهذا المقال من أميرالمؤمنين عليه‌السلام على اختلاف في اللفظ واتفاق في المعنى كثيرة (٤) من حملة الآثار ، وهو يدل على أن أميرالمؤمنين عليه‌السلام كان مكلفا عارفا في تلك الحال بتوقفه و استدلاله وتمييزه بين مشورة أبيه وبين الاقدام على القبول والطاعة للرسول من غير فكرة و ولا تأمل ، ثم خوفه إن ألقى ذلك إلى أبيه أن يمنعه منه مع أنه حق فيكون قد صد عن الحق ، فعدل عن ذلك إلى القبول وعدل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مع أمانته وما كان يعرفه من صدقه في مقاله وما سمعه من القرآن الذي نزل عليه وأراه الله من برهانه أنه رسول محق

____________________

(١) في المصدر : على ما كان من فهمى وعلمى.

(٢) في المصدر : بعد ذلك :

فويل ثم ويل ثم ويل

لمن يلقى الاله غدا بظلمى

(٣) في المصدر : الموجب له للاستخلاف.

(٤) في المصدر : جماعة كثيرة.

٢٨٦

فآمن به وصدقه ، وهذا بعد أن ميزبين الامانة وغيرها وعرف حقها ، وكره أن يفشي سر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد ائتمنه عليه ، وهذا لايقع باتفاق من صبي لا عقل له ولا يحصل ممن لا تمييز معه.

ويؤيد أيضا ما ذكرناه أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بدأبه في الدعوة قبل الذكور كلهم ، و إنما أرسله الله تعالى إلى المكلفين ، فلو لم يعلم أنه عاقل مكلف لما افتتح به أداء رسالته وقدمه في الدعوة على جميع من بعث إليه ، لانه لو كان الامر على ما ادعته الناصبة لكان صلى‌الله‌عليه‌وآله قد عدل عن الاولى ، وتشاغل بمالم يكلفه عن أداء ما كلفه ، ووضع فعله في غير موضعه ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يجل عن ذلك وشئ آخر وهو أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله دعا عليا عليه‌السلام في حاله كان مستتر فيها بدينه (١) كانما لامره خائفا إن شاع من عدوه ، فلا يخلو أن يكون قد كان واثقا من أميرالمؤمنين عليه‌السلام بكتم سره وحفظ وصيته وامتثال أمره وحمله من الدين ما حمله أو لم يكن واثقا بذلك ، فإن كان واثقا فلم يثق به إلا وهو في نهاية كمال العقل وعلى غاية الامانة وصلاح السريرة والعصمة والحكمة وحسن التدبير ، لان الثقة بما وصفنا دليل جميع ما شرحناه على الحال التي قدمنا وصفها (٢) ، وإن كان غير واثق من أميرالمؤمنين عليه‌السلام بحفظ سره وغيره آمن من تضييعه وإذاعة أمره فوضعه عنده من التفريط (٣) وضد الحزم والحكمة والتدبير ، حاشى الرسول من ذلك ومن كل صفة نقص ، وقد أعلى الله عزوجل رتبته وأكذب مقال من ادعى ذلك فيه ، وإذا كان الامر على ما بيناه فما ترى الناصبة فصدت بالطعن في إيمان أميرالمؤمنين عليه‌السلام إلا عيب الرسول والذم لافعاله ووصفه بالعبث والتفريط ووضع الاشياء غير مواضعها ، والازراء عليه (٤) في تدبيراته ، وما أراد مشائخ القوم ومن ألقى هذا المذهب إليهم إلا ما ذكرناه « والله متم نوره ولو كره الكافرون » (٥).

____________________

(١) في المصدر : مستسرا فيها بدينه.

(٢) في المصدر : قدمنا شرحها.

(٣) في المصدر : من أعظم الجهل والتفريط.

(٤) أزرى عليه عمله : عاتبه أو عابه عليه.

(٥) الفصول المختارة : ٥١ ٧٢.

٢٨٧

أقول : إنما لم نبال بإيراد هذا الكلام الطويل الذيل لكثرة طائله ووثاقة دلائله و علو شأن قائله ، حشره الله تعالى مع أئمته عليهم‌السلام ، وذكر الشيخ أبوالفتح الكراجكي في كنز الفوائد (١) كلاما مشبعا في ذلك وأورد أخبارا كثيرة تركناها حذرا من الاسهاب وحجم الكتاب.

٦٦

( باب )

* ( مسابقته صلوات الله عليه في الهجرة على سائر الصحابة ) *

١ ـ قب : الهجرة : وأولها إلى الشعب وهو شعب أبي طالب وعبدالمطلب ، والاجماع أنهم كانوا بني هاشم ، وقال الله تعالى فيهم : « والسابقون الاولون من المهاجرين و الانصار (٢) ».

وثانيها هجرة الحبشة ، في معرفة النسوي : قال : أمرنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن ننطلق مع جعفر إلى أرض النجاشي ، فخرج في اثنين وثمانين رجلا.

الواحدي نزل فيهم « إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب (٣) » حين لم يتركوا دينهم ، ولما اشتد عليهم الامر صبروا وهاجروا.

وثالثها للانصار الاولين وهم العقبيون بإجماع أهل الاثر ، وكانوا سبعين رجلا ، وأول من بايع فيه أبوالهيثم بن التيهان ورابعها للمهاجرين إلى المدينة ، والسابق فيه مصعب بن عمير وعمار بن ياسر وأبوسلمة المخزومي وعامر بن ربيعة وعبدالله بن جحش وابن ام مكتوم وبلال وسعد ، ثم ساروا أرسالا (٤) ، قال ابن عباس : نزل فيهم « و الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا اولئك هم المؤمنون

____________________

(١) ص ١١٨ ١٢٧.

(٢) سورة التوبة : ١٠٠.

(٣) سورة الزمر : ١٠.

(٤) اى جماعة جماعة.

٢٨٨

حقا لهم مغفرة ورزق كريم والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فاولئك منكم واولو الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله (١) » ذكر المؤمنين ثم المهاجرين ثم المجاهدين ، وفضل عليهم كلهم فقال : « واولو الارحام بعضهم أولى ببعض » فعلي عليه‌السلام سبقهم بالايمان ثم بالهجرة إلى الشعب ثم بالجهاد ، ثم سبقهم بعد هذه الثلاثة الرتب بكونه من ذوي الارحام.

فأما أبوبكر فقد هاجر إلى المدينة إلا أن لعلي مزايا فيها عليه ، وذلك أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أخرجه مع نفسه أو خرج هو لعلة وترك عليا للمبيت باذلا مهجته ، فيذل النفس أعظم من الاتقاء على النفس في الهرب إلى الغار ، وقد روى أبوالمفضل الشيباني (٢) بإسناده عن مجاهد قال : فخرت عائشة بأبيها ومكانه مع رسول الله في الغار ، فقال عبدالله بن شداد بن الهاد : فأين أنت مع علي بن أبي طالب حيث نام في مكانه وهو يرى أنه يقتل فسكتت ولم تحر جوابا ، وشتان بين قوله : « ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله (٣) » وبين قوله : « لا تحزن إن الله معنا (٤) » وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله معه يقوي قلبه ولم يكن مع علي ، وهو لم يصبه وجع وعلي يرمى بالحجارة ، وهو مختف في الغار وعلي ظاهر للكفار ، واستخلفه الرسول لرد الودائع لانه كان أمينا ، فلما أداها قام على الكعبة فنادى بصوت رفيع يا أيها الناس هل من صاحب أمانة؟ هل من صاحب وصية هل من صاحب عدة له قبل رسول الله فلما لم يأت أحد لحق بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وكان ذلك (٥) دلالة على خلافته وأمانته وشجاعته.

وحمل نساء الرسول خلفه بعد ثلاثة أيام ، وفيهن عائشة ، فله المنة على أبي بكر بحفظ ولده ، ولعلي عليه‌السلام المنة عليه في هجرته ، وعلي ذو الهجرتين والشجاع البائت بين

____________________

(١) سورة الانفال : ٧٤ و ٧٥.

(٢) هو محمد بن عبدالله بن محمد بن عبيدالله بن البهلول بن المطلب ، وترجمته مذكور في كتب التراجم.

(٣) سورة البقرة : ٢٠٧.

(٤) سورة التوبة : ٤٠.

(٥) في المصدر : وكان في ذلك.

٢٨٩

أربع مائة سيف ، وإنما أباته على فراشه ثقة بنجدته ، فكانوا محدقين به إلى طلوع الفجر ليقتلوه ظاهرا ، فيذهب دمه بمشاهدة بني هاشم قاتليه من جميع القبائل ، قال ابن عباس : فكان من بني عبد شمس عتبة وشيبة ابنا ربيعة بن هشام وأبوسفيان ، ومن بني نوفل طعمة ابن عدي وجبير بن مطعم والحارث بن عامر ، ومن بني عبدالدار النضر بن الحارث ، ومن بني أسد أبوالبختري وزمعة بن الاسود وحكيم بن حزام ، ومن بني مخزوم أبوجهل ، ومن بني سهم نبيه ومنبه ابنا الحجاج ، ومن بني جمح امية بن خلف ممن لا يعد من قريش. ووصى إليه في ماله وأهله وولده ، فأنامه منامه وأقامه مقامه ، وهذا دلالة (١) على أنه وصيه.

تاريخي الخطيب والطبري وتفسير الثعلبي والقزويني في قوله : « وإذ يمكر بك الذين كفروا (٢) » والقصة مشهورة ، جاء جبرئيل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له : لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه ، فلما كان العتمة (٣) اجتمعوا على بابه يرصدونه ، فقال لعلي عليه‌السلام : نم على فراشي واتشح ببردي الحضرمي الاخضر ، وخرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قالوا فلما دنوا من علي عليه‌السلام عرفوه فقالوا : أين صاحبك؟ فقال : لا أدري أو رقيب كنت عليه؟ أمرتموه بالخروج فخرج.

أخبار أبي رافع أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : يا علي إن الله قد أذن لي بالهجرة ، وإني آمرك أن تبيت على فراشي ، وإن قريشا إذا رأوك لم يعلموا بخروجي.

الطبري والخطيب والقزويني والثعلبي : ونجى الله رسوله من مكرهم ، وكان مكر الله تعالى بيات علي على فراشه.

عمار وأبورافع وهند بن أبي هالة أن أميرالمؤمنين عليه‌السلام وثب وشد عليهم بسيفه ، فانحازوا عنه.

محمد بن سلام [ في حديث طويل ] عن أميرالمؤمنين عليه‌السلام : ومضى رسول الله واضطجعت

____________________

(١) في المصدر : وهذا دليل.

(٢) سورة الانفال : ٣٠.

(٣) العتمة بالفتحات الثلث الاول من الليل. ظلمة الليل مطلقا.

٢٩٠

في مضجعه أنتظر مجئ القوم إلي ، حتى دخلوا علي ، فلما استوى بي وبهم البيت نهضت إليهم بسيفي فدفعتهم عن نفسي بما قد علمه الناس ، فلما أصبح عليه‌السلام امتنع ببأسه وله عشرون سنة ، وأقام بمكة وحده مراغما لاهلها (١) حتى أدى إلى كل ذي حق حقه.

محمد الواقدي وأبوالفرج النجدي وأبوالحسن البكري وإسحاق الطبراني أن عليا عليه‌السلام لما عزم على الهجرة قال له العباس : إن محمدا ما خرج إلا خفياوقد طلبته قريش أشد طلب ، وأنت تخرج جهارا في أثاث (٢) وهوادج ومال ورجال ونساء تقطع بهم السباسب (٣) والشعاب من بين قبائل قريش ، ما أرى لك أن تمضي إلا في خفارة خزاعة (٤) ، فقال علي عليه‌السلام :

إن المنية شربة مورودة

لا تجزعن وشد للترحيل

إن ابن آمنة النبي محمدا

رجل صدوق قال عن جبريل

أرخ الزمام ولا تخف من عائق

فالله يرديهم عن التنكيل

إني بربي واثق وبأحمد

وسبيله متلاحق بسبيلي

قالوا : فكمن مهلع غلام حنظلة بن أبي سفيان في طريقه بالليل ، فلما رآه سل سيفه ونهض إليه ، فصاح علي صيحة خر على وجهه ، وجلله بسيفه ، فلما أصبح توجه نحو المدينة ، فلما شارف ضجنان (٥) أدركه الطلب بثمانية فوارس ، وقالوا : يا غدر ظننت أنك تاج بالنسوة ، القصة.

وكان الله تعالى قد فرض على الصحابة الهجرة وعلى علي عليه‌السلام المبيت ثم الهجرة ، إنه تعالى (٦) قد كان امتحنه بمثل ما امتحن به إبراهيم بإسماعيل وعبدالمطلب بعبدالله

____________________

(١) اى مغاضبا لاهلها.

(٢) في المصدر و (د) في اناث.

(٣) السبب : المفازة. الارض البعيدة المستوية.

(٤) خفره : أجاره وحماه وامنه.

(٥) ضجنان بالتحريك جبل بتهامة. وقيل : جبل على بريد من مكة.

(٦) في المصدر و (د) و (ت) ثم انه تعالى.

٢٩١

ثم إن التفدية كانت دأبه في الشعب ، فإن كان بات أبوبكر في الغار ثلاث ليال فإن عليا عليه‌السلام بات على فراش النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في الشعب ثلاث سنين ، وفي رواية : أربع سنين.

العكبري في فضائل الصحابة والفنجكردي (١) في سلوة الشيعة أن عليا عليه‌السلام قال :

وقيت بنفسي خير من وطئ الحصى

ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر

محمد لما خاف أن يمكروا به

فوقاه ربي ذو الجلال من المكر

وبت اراعيهم وما يلبثونني (٢)

وقد صبرت نفسي على القتل والاسر

وبات رسول الله في الغار آمنا

وذلك في حفظ الاله وفي ستر

أردت به نظر الاله تبتلا (٣)

وأضمرته حتى اوسد في قبري

وكلما كانت المحنة أغلظ كان الاجر أعظم وأدل على شدة الاخلاص وقوة البصرة والفارس يمكنه الكر والفر والروغان (٤) والجولان والراجل قد ارتبط روحه وأوثق نفسه وبدنه (٥) محتسبا صابرا على مكروه الجراح وفراق المحبوب ، فكيف النائم على الفراش بين الثياب والرياش (٦)؟.

أقول : أوردنا أكثر أخبار هذا الباب في باب أنه نزل فيه عليه‌السلام « ومن الناس من يشري » وفي باب الهجرة.

وقال عبدالحميد بن أبي الحديد في شرح قول أميرالمؤمنين صلوات الله عليه : « فلا تبرؤوا مني فإني ولدت على الفطرة وسبقت إلى الايمان والهجرة (٧) » فإن قيل : كيف

____________________

(١) هو الشيخ ابوالحسن على بن أحمد النيسابورى الاديب الفاضل ، جمع أشعار اميرالمؤمنين عليه‌السلام ، توفى سنة ٥١٢.

(٢) في المصدر : وما يلبثون بى. وما يثبتون بى خ ل.

(٣) كذا في النسخ ، وفي المصدر : أردت به نصر الاله تبتلا.

(٤) راغ الرجل عن الطريق : حاد عنه وذهب هكذا وهكذا مكرا وخديعة.

(٥) في المصدر (والحج بدنه) أى ألجأه.

(٦) مناقب آل أبى طالب ١ : ٢٧٧ ٢٨٢.

(٧) لعله اراد عليه‌السلام الهجرة من ذويه إلى ملازمة النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله او أنه اول من هاجر من المدينة إلى رسول الله (ب).

٢٩٢

قال : إنه سبق إلى الهجرة ومعلوم أن جماعة من المسلمين هاجروا قبله منهم عثمان بن مظعون وغيره ، وقدهاجروا في صحبة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) وتخلف علي عليه‌السلام فبات على فراش رسول الله ومكث أياما يرد الودائع التي كانت عنده ثم هاجر بعد ذلك؟ والجواب أنه لم يقل « وسبقت كل الناس » وإنما قال « وسبقت » فقط ، ولا يدل ذلك على سبقه للناس كافة ، ولا شبهة أنه سبق معظم المهاجرين إلى الهجرة ، ولم يهاجر قبله أحد إلا نفر يسير جدا ، وأيضا فقد قلنا : إنه علل أفضليته وتحريم البراءة منه مع الاكراه بمجموع امور ، منها ولادته على الفطرة ، ومنها سبقه إلى الايمان ، ومنها سبقه إلى الهجرة وهذه الامور الثلاثة لم تجتمع لاحد غيره ، فكان بمجموعها متميزا عن كل أحد من الناس ، وأيضا فإن اللام في الهجرة يجوز أن لا تكون للمعهود السابق بل تكون للجنس ، وأميرالمؤمنين عليه‌السلام سبق أبابكر وغيره إلى الهجرة التي قبل هجرة المدينة ، فإن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله هاجر من مكة مرارا يطوف على أحياء العرب ، وينتقل من أرض قوم إلى غيرها ، وكان علي معه دون غيره ، أما هجرته إلى بني شيبان فما اختلف أحد من أهل السيرة ان عليا كان معه وأبوبكر ، وأنهم غابوا عن مكة ثلاثا عشر يوما ، وعادوا إليها لما لم يجدوا عند بني شيبان ما أرادوه من النصرة ، وروى المدائني في كتاب الامثال عن المفضل الضبي أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما خرج عن مكة يعرض نفسه على قبائل العرب خرج إلى ربيعة ومعه علي وأبوبكر ، فأما هجرته إلى الطائف فكان معه علي عليه‌السلام وزيد ابن حارثة في رواية أبي الحسن المدائني ولم يكن معهم أبوبكر ، وأما رواية محمد بن إسحاق فإنه قال : كان معه زيد بن حارثة وحده ، وغاب رسول الله (ص) إلى بني عامر بن صعصعة (٢) وإخوانهم من قيس وغيلان وإنه لم يكن معه إلا علي وحده ، وذلك عقيب وفاة أبي طالب اوحي إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : اخرج منها فقد مات ناصرك ، فخرج إلى بني عامر بن صعصعة ومعه علي وحده ، فعرض نفسه عليهم وسألهم النصرة وتلا عليهم القرآن فلم يجيبوه ، فعاد

____________________

(١) في المصدر : وقد هاجر أبوبكر قبله لانه هاجر في صحبة النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(٢) في المصدر : وغاب رسول الله عن مكة في هذه الهجرة أربعين يوما ودخل اليها في جوار مطعم بن عدى ، وأما هجرته إلى بنى عامر بن صعصعة اه.

٢٩٣

عليه‌السلام إلى مكة ، وكانت مدة غيبته في هذه الهجرة عشرة أيام ، وهي أول هجرة * هاجرها صلى‌الله‌عليه‌وآله بنفسه ، فأما أول هجرة هاجرها أصحابه ولم يهاجر بنفسه فهجرة الحبشة هاجر فيها كثير من أصحابه إلى بلاد الحبشة ، منهم في البحر (١) جعفر بن أبي طالب ، فغابوا عنه سنين ، ثم قدم عليه منهم من سلم وطالت مدته (٢) ، وكان قدوم جعفر عليه عام فتح خيبر ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما أدري بأيهما أنا أسر بقدوم جعفر أم بفتح خيبر (٣)؟.

٧٦

( باب )

* ( أنه عليه‌السلام كان أخص الناس بالرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ) *

* ( وأحبهم اليه ، وكيفية معاشرتهما ، وبيان حاله في حياة الرسول ) *

* ( وفيه أنه عليه‌السلام يذكر متى ما ذكر النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله ) *

١ ـ قب : كان أبوطالب وفاطمة بنت أسد ربيا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وربى النبي وخديجة لعلي صلوات الله عليهم ، وسمعت مذاكرة أنه لما ولد علي عليه‌السلام لم يفتح عينيه ثلاثة أيام ، فجاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ففتح عينيه ، ونظر إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : خصني بالنظر وخصصته بالعلم.

تاريخي الطبري والبلاذري وتفسير الثعلبي والواحدي وشرف النبي وأربعين الخوارزمي ودرجات محفوظ البستي ومغازي محمد بن إسحاق ومعرفة أبي يوسف النسوي أنه قال مجاهد : كان من نعمة الله على علي بن أبي طالب عليه‌السلام أن قريشا أصابتهم أزمة شديدة ، وكان أبوطالب ذا عيال كثيرة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لحمزة والعباس : إن أبا طالب كثير العيال ، وقد

____________________

(١) في المصدر : إلى بلاد الحبشة في البحر ، منهم اه.

(٢) في المصدر : وطالت أيامه.

(٣) شرح النهج ١ : ٤٩٢ و ٤٩٨. وفيه : بأبيهما أسرا بقوم جعفر أم بفتح خيبر؟.

٢٩٤

أصاب الناس ما ترون من هذه الازمة ، فانطلق بنا (١) نخفف من عياله ، فدخلوا عليه وطلبوه بذلك ، فقال : إذا تركتم لي عقيلا فافعلوا ما شئتم ، فبقي عقيل عنده إلى أن مات أبوطالب ، ثم بقي وحده (٢) إلى أن اخذ يوم بدر ، وأخذ حمزة جعفرا فلم يزل معه في الجاهلية والاسلام إلى أن قتل حمزة وأخذ العباس طالبا وكان معه إلى يوم بدر ثم فقد فلم يعرف له خبر ، وأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا وهو ابن ست سنين كسنه يوم أخذه أبوطالب ، فربته خديجة والمصطفى إلى أن جاء الاسلام ، وتربيتهما أحسن من تربية أبي طالب وفاطمة بنت أسد ، فكان مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أن مضى ، وبقي علي بعده.

وفي رواية أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : اخترت من اختار الله لي عليكم عليا.

وذكر أبوالقاسم في أخبار أبي رافع من ثلاثة طرق أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حين تزوج خديجة قال لعمه أبي طالب : إني احب أن تدفع إلي بعض ولدك يعينني على أمري ويكفيني ، وأشكر لك بلاءك عندي ، فقال أبوطالب : خذ أيهم شئت ، فأخذ عليا عليه‌السلام.

فمن استقى عروقه من منبع النبوة ورضعت شجرته ثدي الرسالة وتهدلت أغصانه (٣) عن نبعة الامامة ونشأ في دار الوحي وربي في بيت التنزيل ولم يفارق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في حال حياته إلى حال وفاته لا يقاس بسائر الناس ، وإذا كان عليه‌السلام في أكرم ارومة (٤) وأطيب مغرس ، والعرق الصالح ينمي والشهاب الثاقب يسري وتعليم الرسول ناجع (٥) ، ولم يكن الرسول (ص) ليتولى تأديبه ويتضمن حضانته وحسن تربيته إلا على ضربين : إما على التفرس فيه أو بالوحي من الله تعالى ، فإن كان بالتفرس فلا تخطأ فراسته ولا يخيب ظنه ، وإن كان

____________________

(١) كذا في النسخ والمصدر ، والظاهر (فانطلقابى) ويمكن أن يقال : ان حمزة كان موافقا للنبى في هذا الامر ابتداء وانما قال النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله للعباس (فانطلق بنا) وحرضه على هذا الامر.

(٢) في المصدر : ثم بقى في وحدة.

(٣) تهدلت أغصان الشجرة : تدلت.

(٤) الارومة : أصل الشجرة.

(٥) نجع الطعام في الانسان : هنا آكله واستمرأه وصلح عليه.

٢٩٥

بالوحي فلا منزلة أعلى ولا حال أدل على الفضيلة والامامة منه (١).

٢ ـ قب لقد عمي من قال : إن قوله تعالى : « وأنفسنا وأنفسكم (٢) » أراد به نفسه ، لان من المحال أن يدعو الانسان نفسه ، فالمراد به من يجري مجرى « أنفسنا » ولو لم يرد عليا وقد حمله معه نفسه لكان للكفار أن يقولوا : حملت من لم نشترط (٣) وخالفت شرطك ، وإنما يكون للكلام معنى أن يريد به مجرى « أنفسنا » وأما شبهة الواحدي في الوسيط أن أحمد بن حنبل قال : أراد بالانفس ابن العم والعرب تخبر من بني العم بأنه نفس ابن عمه وقال الله تعالى : « ولا تلمزوا أنفسكم (٤) » أراد إخوانكم من المؤمنين ضعيفة ، لانه لا يحمل على المجاز إلا لضرورة ، وإن سلمنا ذلك فإنه كان للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بنو الاعمام فما اختار منهم عليا إلا لخصوصية فيه (٥) دون غيره ، وقد كان أصحاب العباء نفس (٦) واحدة ، وقد تبين بكلمات اخر.

قال ابن سيرين : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي بن أبي طالب عليه‌السلام : أنت مني وأما منك فضائل السمعاني وتاريخ الخطيب وفردوس الديلمي عن البراء وابن عباس. واللفظ لابن عباس علي مني مثل رأسي من بدني. وقوله : أنت مني كروحي من جسدي وقوله : أنت مني كالضوء من الضوء. وقوله : أنت زري (٧) من قميصي وسئل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن بعض أصحابه ، فذكر فيه ، فقال له قائل : فعلي؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنما سألتني عن الناس ولم تسألني عن نفسي. وفيه حديث يريده وحديث براء وحديث جبرئيل « وأنا منكما » ».

البخاري قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام : أنت مني وأنا منك.

فردوس الديلمي عن عمران بن الحصين قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : علي مني وأنا منه

____________________

(١) مناقب آل ابى طالب ١ : ٣٦٣ و ٣٦٤.

(٢) سورة آل عمران : ٦١.

(٣) في المصدر : من لم تشترط.

(٤) سورة الحجرات : ١١.

(٥) في المصدر : فما اختار منهم الا عليا لخصوصية فيه.

(٦) كذا في النسخ والمصدر.

(٧) الزر : مابه قوام الشئ.

٢٩٦

وهو ولي كل مؤمن بعدي. وقد روى نحوه عن ابن ميمون عن ابن عباس.

عبدالله بن شداد أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لوفد : لتقيمن الصلاة وتؤتن الزكاة أو لابعثن عليكم رجلا كنفسي. أبان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولايته وأنه ولي الامة من بعده.

كتاب الحدائق بالاسناد عن أنس قال : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أراد أن يشهر عليا في موطن أو مشهد علا على راحلته (١) وأمر الناس أن يتخفضوا دونه وفي شرف المصطفى أنه كان للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عمامة يعتم بها يقال لها السحاب ، وكان يلبسها ، فكساها بعد علي بن أبي طالب عليه‌السلام فكان ربما أطلع علي فيها فيقال : أتاكم علي في السحاب.

الباقر عليه‌السلام : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم وهو راكب وخرج علي وهو يمشي ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : إما أن تركب وإما [ أن ] تنصرف ، ثم ذكر مناقبه.

أبورافع إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا جلس ثم أراد أن يقوم لا يأخذ بيده غير علي ، وإن أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كانوا يعرفون ذلك له ، فلا يأخذ يد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله غيره.

الجماني في حديثه : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا جلس اتكأ على علي.

سر الادب عن أبي منصور الثعالبي أنه عوذ عليا حين ركب وصفين ثيابه في سرجه (٢).

بيان : قال الجزري في النهاية : فيه « أنه عوذ عليا حين ركب وصفين ثيابه في سرجه » أي جمعها فيه (٢).

٣ ـ قب : وروي أنه سافر ومعه علي عليه‌السلام وعائشه ، فكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ينام بينهما في لحاف.

حلية الاولياء ومسند أبي يعلى عبدالرحمان بن أبي ليلى عن علي عليه‌السلام قال : أتانا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى وضع رجله بيني وبين فاطمة.

أنساب الاشراف قال رجل لابن عمر : حدثني عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام فقال :

____________________

(١) الظاهر علاه على راحلته اى أصعده.

(٢) مناقب آل ابى طالب ١ : ٣٨٨ و ٣٨٩.

(٣) النهاية ٢ : ٢٦٨.

٢٩٧

تريد أن تعلم ما كانت منزلته من رسول الله (ص) فانظر إلى بيته من بيوت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله البخاري وأبوبكر بن مردويه قال ابن عمر : هو ذاك بيته أوسط بيوت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

خصائص النطنزي قال ابن عمر : سأل رجل عمر بن الطخاب عن علي عليه‌السلام فقال : هذا منزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهذا منزل علي بن أبي طالب عليه‌السلام بهذا المنزل فيه صاحبه.

وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا عطس قال علي عليه‌السلام : رفع الله ذكرك يا رسول الله ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أعلى الله كعبك (١) يا علي.

وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا غضب لم يجترئ أحد أن يكلمه غير علي ، وأتاه يوما فوجده نائما فما أيقظه.

لا شك أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان أكبر سنا وأكثر جاها من علي ، فلما كان يحترمه هذا الاحترام إما أنه كان من الله تعالى أو من قبل نفسه ، وعلى الحالين جميعا أظهر للناس درجته عند الله تعالى ومنزلته عند رسول الله.

ومن تحننه ما جاء في أمالي الطوسي عن ابن مسعود قال : رأيت رسول الله وكفه في كف علي وهو يقبلها ، فقلت : ما منزلة علي منك؟ قال : منزلتي من الله.

وحدثني أبوالعلاء الهمداني بإسناده إلى عائشة قالت : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله التزم عليا عليه‌السلام وقبله ويقول : بأبي الوحيد الشهيد. بأبي الوحيد الشهيد ، وقد ذكره أبويعلى الموصلي في المسند عن ابن مينا عن أبيه عن عائشة.

أبوبصير في حديثه عن الصادق عليه‌السلام أنه أخذ يمسح العرق عن وجه علي ويمسح به وجهه.

أبوالعلاء العطار بإسناده إلى عبد خير عن علي عليه‌السلام قال : اهدي إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قنوموز (٢) ، فجعل يقشر الموزة ويجعلها في فمي ، فقال له قائل : إنك تحب عليا؟ قال : أوما علمت أن عليا مني وأنا منه.

تاريخ الطيب : فقد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقت انصرافه من بدر ، فادت الرفاق بعضهم

____________________

(١) الكعب : الشرف والمجد.

(٢) القنو : العذق ، وهو من النخل والموز كالعنقود من العنب.

٢٩٨

بعضا : أقيكم رسول الله؟ حتى جاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه علي عليه‌السلام فقالوا : يا رسول الله فقدناك ، فقال : إن أبا الحسن وجد مغصا (١) في بطنه فتخلفت معه عليه.

وروي أنه جرح رأسه عمرو بن عبدود يوم الخندق ، فجاء إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فشده ونفث فيه فبرئ ، وقال : أين أكون إذا خضب هذه من هذه؟.

وكان علي عليه‌السلام ينام مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في سفره ، فأسهرته الحمى ليلة أخذته ، فسهر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لسهر علي ، فبات ليلته بينه وبين مصلاه ، يصلي ثم يأتيه فيسأله وينظر إليه حتى أصبح بأصحابه الغداة ، فقال : اللهم اشف عليا وعافه فإنه أسهرني الليلة مما به. وفي رواية : قم يا علي فقد برئت. وقال : ما سألت ربي شيئا إلا أعطانيه ، وما سألت شيئا إلا سألته لك.

أبوالزبير عن أنس قال : كنت أمشي خلف حمار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يكلم الحمار والحمار يكلمه وهو يريد الغابة والغيضة (٢) ، فلما دنا منهما قال : اللهم أرني إياه اللهم أرني إياه ، وقال في الرابعة : اللهم أرني وجهه ، فإذا علي قد خرج من بين النخل فانكب على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وانكب رسول الله يقبله الخبر.

وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول إذا لم يلق عليا : أين حبيب الله وحبيب رسوله؟.

فضائل أحمد : جابر الانصاري كنا مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عند امرأة من الانصار ، فصنعت له طعاما ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : يدخل عليكم رجل من أهل الجنة ، فرأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يدخل رأسه تحت الوادي ويقول : اللهم إن شئت فحوله عليا ، فدخل علي فهنأه.

جامع الترمذي وإبانة العكبري ومسند أحمد وفضائله وكتاب ابن مردويه عن ام عطية وأبي هريرة وعبدالرحمان بن أبي ليلى عن أبيه أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بعث عليا في سرية قال : فرأيته رافعا يديه يقول : اللهم لا تمتني حتى تريني عليا (٣).

____________________

(١) المغص : وجمع وتقطيع في الامعاء.

(٢) الغابة والغيضة : الاجمة ومجتمع الشجر في مغيض الماء.

(٣) مناقب آل أبى طالب ١ : ٣٨٩ ٣٩١.

٢٩٩

[ كنز ـ الكراجكى : عن أسد بن إبراهيم السلمي ، عن عمر بن علي العتكي ، عن الحسن بن أحمد البالسي ، عن أبي عاصم النيلي ، عن ابن الجراح ، عن جابر بن صبيح. عن ام شرجيل ، عن ام عطية مثله (١) ].

٤ ـ الاربعين عن الخطيب إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال يوم الخندق : اللهم إنك أخذت مني عبيدة بن الحارث يوم بدر ، وحمزة بن عبدالمطلب يوم احد ، وهذا علي فلا تدعني فردا وأنت خير الوارثين.

ومن إفشائه الاسرار عليه ما روى شيرويه في الفردوس قال ابن عباس : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : صاحب سري علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

الترمذي في الجامع وأبويعلى في المسند وأبوبكر بن مردويه في الامالي والخطيب في الاربعين والسمعاني في الفضائل مسندا إلى جابر قال : ناجى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الطائف عليا فأطال نجواه ، فقال أحد الرجلين للآخر : لقد أطال نجواه مع ابن عمه! وفي رواية الترمذي فقال الناس : لقد أطال نجواه! فبلغ ذلك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفي رواية غيره أن رجلا قال : أتناجيه دوننا؟ فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما انتجيته ولكن الله انتجاه. ثم قال الترمذي : أي أمر ربي أنتجي معه.

الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في خطبة الوداع : سموني أذنا وزعموا أنه لكثرة ملازمته إياي وإقبالي عليه وقبوله مني ، حتى أنزل الله تعالى « ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هم اذن (٢) ».

ودخل أميرالمؤمنين عليه‌السلام على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وجلس عند يمينه ، فتناجى عند ذلك اثنان ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا يتناجى اثنان دون الثالث ، فإن ذلك يؤذي المؤمن فنزل « إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالاثم والعدوان ومعصية الرسول (٣) » الآية ، وقوله تعالى : « إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا (٤) ».

____________________

(١) كنز الكراجى : ١٣٦.

(٢) سوره التوبة : ٦١.

(٣) سورة المجادلة : ٩.

(٤) سورة المجادلة : ١٠.

٣٠٠