بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٤٣
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

٢١ ـ سن : الحسن بن علي ، (١) عن داود بن سليمان الجمال(٢) قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام وذكر عنده القدر وكلام الاستطاعة ـ فقال : هذا كلام خبيث ، أنا على دين آبائي ، لا أرجع عنه ، القدر حلوه ومره من الله ، والخير والشر كله من الله. «ج ١ ص ٢٨٣»

٢٢ ـ سن : أبوشعيب المحاملي ، (٣) عن أبي سليمان الحمار ، (٤) عن أبي بصير قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن شئ من الاستطاعة فقال : يا أبا محمد الخير والشر حلوه ومره وصغيره وكثيره من الله. «ج ١ ص ٢٨٤»

بيان : المراد بخلق الخير والشر إما تقديرهما كما مر ، أو المراد خلق الآلات والاسباب التي بها يتيسر فعل الخير وفعل الشر كما أنه تعالى خلق الخمر ، وخلق في الناس القدرة على شربها ، أو كناية عن أنهما إنما يحصلان بتوفيقه وخذلانه فكأنه خلقهما ; أو المراد بالخير والشر النعم والبلايا ; أو المراد بخلقهما خلق من يعلم أنه يكون باختياره مختارا للخير ، ومختارا للشر ، والله يعلم.

٢٣ ـ سن : البزنطي ، عن حماد بن عثمان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : من زعم أن الله يأمر بالفحشاء فقد كذب على الله ، ومن زعم أن الخير والشر إليه فقد كذب على الله. (٥) «ج ١ ص ٢٨٤»

شى : عن أبي بصير مثله.

________________

(١) في المصدر : الحسين بن على. م

(٢) في المحاسن المطبوع أيضا « الجمال » وكذا فيما يأتى بعده ، والصحيح فيما « الحمار » ونقل عن خط الشهيد ضبطه بالحاء المهملة ، والميم المشددة ، والراء أخيرا ، قال النجاشى في ١١٥ من رجاله : داود بن سليمان ، أبوسليمان الحمار ، كوفى ثقة ، روى عن أبى عبدالله عليه‌السلام إه أقول : الحديث لا يخلو عن شبهة الارسال ، لظهور اتحاده مع الاتى بعده.

(٣) كنية صالح بن خالد المحاملى.

(٤) كنية داود بن سليمان المتقدم.

(٥) الخير موجود مخلوق من غير شك وأما الشر فليس بموجود ولا مخلوق بالاصالة وإنما يتحقق بالعرض وبمقايسة شئ إلى شئ نحوا من المقايسة ، والدليل على ذلك قوله تعالى : «والله

١٦١

*«باب ٧»*

*«الهداية والاضلال والتوفيق والخذلان»*

الايات ، الفاتحة «١» إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم ٦.

البقرة «٢» إن الذين كفروا سواء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون * ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم ٦ ـ ٧ «وقال تعالى» : يضل به كثيرا ويهدى به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين ٢٦ «وقال تعالى» : فهدى الله لذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم* أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ٢١٣ ـ ٢١٤ «وقال تعالى» : الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور ٢٥٧ «وقال» : والله لا يهدي القوم الظالمين ٢٥٨ «وقال» : والله لا يهدى القوم الكافرين ٢٦٤.

آل عمران «٣» قل إن الهدى هدى الله ٧٣ «وقال تعالى» : كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدى القوم الظالمين ٨٦.

النساء «٤» : ولهديناهم صراطا مستقيما ٦٨.

المائدة «٥» : ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم ٤١ «وقال تعالى» : فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم

________________

*خالق كل شئ» الاية وقوله : «الذى أحسن كل شئ خلقه» الاية حيث عد كل شئ خلقا لنفسه ثم عده حسنا غير سئ ، وقال تعالى : ما أصابك من سيئة فمن نفسك الاية فعد بعض الاشياء كالبلايا و الامراض سيئات وذكرها بالمساءة ، مع أنها من حيث وجودها وخلقها حسنة فليست مساءتها إلا من جملة العرض والمقايسة.

١٦٢

فالاشياء أعم من الخيرات والشرور من حيث وجودها وخلقها مستندة اليه تعالى كما ذكر في خبر المحاسن رقم ٢١ وكذلك مع المقايسة إذا كان الاستناد أعم مما بالذات وبالعرض والشرور من حيث هى شرور لا تستند إليه تعالى بالاصالة كما ذكر في هذا الخبر. ط

ببعض ذنوبهم ٤٩ «وقال تعالى» : ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم ٥٤ «وقال تعالى» : إن الله لا يهدي القوم الكافرين ٦٧ «وقال تعالى» : والله لا يهدي القوم الفاسقين ١٠٨.

الانعام «٦» ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا ٢٥ «وقال تعالى» : ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين ٣٥ «وقال تعالى» : وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها ١٢٣ «وقال تعالى» : من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مسقتيم ٣٩ «وقال تعالى» : و كذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا ٥٣ «وقال تعالى» : و نقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون * ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شئ قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون * وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الانس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون * ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون ١١٠ ـ ١١٣ «وقال تعالى» : فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون ١٢٥ «وقال تعالى» : إن الله لا يهدي القوم الظالمين ١٤٤ «وقال تعالى» : فلو شاء لهديكم أجمعين ١٤٩.

الاعراف «٧» إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون ٢٧ «وقال تعالى» : من يهدي الله فهو المهتد ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون * ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والانس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها اولئك كالانعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون ١٧٨ ـ ١٧٩ «وقال تعالى» : فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة ٣٠ «وقال تعالى» : سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الارض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها

١٦٣

غافلين ١٤٦ «وقال تعالى» : من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون ١٨٦.

الانفال «٧» فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ١٧ «وقال تعالى» : واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه ٢٤. (١)

التوبة «٩» والله لا يهدى القوم الظالمين ١٩ «وقال تعالى» : والله لا يهدي القوم الفاسقين ٢٤ «وقال تعالى» وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون ٨٧ «وقال تعالى» : صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون ١٢٧.

يونس «١٠» والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ٢٥ «وقال تعالى» كذلك حقت كلمة ربك على الذين فسقوا أنهم لا يؤمنون ٣٣ «وقال تعالى» : ومنهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون * ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون * إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون ٤٢ ـ ٤٣ «وقال تعالى» : إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون * ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الاليم ٩٦ ـ ٩٧.

هود «١١» وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه انيب ٨٨ «وقال تعالى» : ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين * إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لاملان جهنم من الجنة والناس أجمعين ١١٨ ـ ١١٩ «وقال تعالى» : ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون ٣٤. (٢)

________________

(١) قال الرضى رحمه الله : هذه استعارة على بعض التأويلات المذكورة في هذه الاية ، والمعنى : أن الله أقرب إلى العبد من قلبه ، فكأنه حائل بينه وبينه من هذا الوجه ، أو يكون المعنى أنه قادر على تبديل قلب المرء من حال إلى حال ، إذ كان سبحانه موصوفا بأنه مقلب القلوب ، والمعنى أنه ينقلها من حال الامن إلى حال الخوف ، ومن حال الخوف إلى حال الامن ، ومن حال المساءة إلى حال السرور ، ومن حال المحبوب إلى حال المكروه.

(٢) الاغواء : هو الدعاء إلى الغى والضلال ، وذلك غير جائز على الله سبحانه لقبحه ، وورود أمره بضده ، فهو من قبيل الاستعارة ، والمراد هنا تخييبه سبحانه لهم من رحمته لكفرهم به ، و ذهابهم عن أمره ، وخذلانهم عن سبيل الرشاد ، ويجوز أن يكون بمعنى الهلاك ، كما يجوز أن يكون بمعنى الحكم بالغواية عليهم.

١٦٤

الرعد «١٣» : قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب ٢٧ «وقال تعالى» : أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ٣١ «وقال تعالى» : ومن يضلل الله فماله من هاد ٣٣.

ابراهيم «١٤» فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء ٤ «وقال تعالى» : يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحيوة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء ٢٧.

النحل «١٦» ولو شاء الله لجعلكم امة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسئلن عما كنتم تعملون ٩٣ «وقال تعالى» : وأن الله لا يهدي القوم الكافرين * أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون ١٠٧ ـ ١٠٨.

الاسرى «١٧» ومن يهدي الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه ٩٧ «وقال تعالى» : وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا ١٦.

الكهف «١٨» من يهدي الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا ١٧.

مريم «١٩» قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا ٧٥ «وقال تعالى» : ويزيد الله الذين اهتدوا هدى ٧٦ «وقال تعالى» : ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا ٨٣.

النور «٢٤» ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم ٢١ «وقال تعالى» : ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور ٤٠ «وقال تعالى» : والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ٤٦.

الفرقان «٢٥» ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا ١٨.

الشعراء «٢٦» كذلك سلكناه في قلوب المجرمين * لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الاليم ٢٠٠ ـ ٢٠١.

النمل «٢٧» إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون ٤.

القصص «٢٨» وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ٤١ «وقال تعالى» : إنك لا تهدي

١٦٥

من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين ٥٦.

الروم «٣٠» فمن يهدي من أضل الله وما لهم من ناصرين ٢٩ «وقال سبحانه» : كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون ٥٩.

التنزيل «٣٢» ولو شئنا لآتينا كل نفس هديها ولكن حق القول مني لاملان جهنم من الجنة والناس أجمعين ١٣.

سبا : «٣٤» قال : إن ضللت فإنما أضل على نفسى وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي إنه سميع قريب ٥٠.

فاطر «٣٥» : أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء ٨ «وقال سبحانه» إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور ٢٢.

يس «٣٧» لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون * إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الاذقان فهم مقمحون * وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون * وسواء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ٧ ـ ١٠. الزمر «٣٩» إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار ٣ «وقال تعالى» : ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فماله من هاد ٢٣ ومن يهد الله فما له من مضل ٣٧ «وقال تعالى» : أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين ٥٧.

المؤمن «٤٠» ومن يضلل الله فماله من هاد ٣٣ «وقال تعالى» : كذلك يضلل الله من هو مسرف مرتاب ٣٤ «وقال تعالى» : كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار ٣٥ «وقال تعالى» : كذلك يضل الله الكافرين ٧٤.

السجدة «٤١» وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم وحق عليهم القول في امم قد خلت من قبلهم من الجن والانس إنهم كانوا خاسرين ٢٥.

حمعسق «٤٢» الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب ١٣ «وقال تعالى» : ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده ٤٤ «وقال تعالى» : ومن يضلل الله فما له من سبيل ٤٦.

١٦٦

الزخرف «٤٣» ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ٣٢ «وقال تعالى» : ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين ٣٦ «وقال تعالى» : أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي ومن كان في ضلال مبين ٤٠.

الجاثية «٤٥» أفرأيت من اتخذ إلهه هويه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون ٢٣.

محمد «٤٧» اولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم ١٤ «وقال تعالى» : والذين اهتدوا زادهم هدى وآتيهم تقويهم ١٧ «وقال تعالى» : اولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ٢٣.

الصف «٦١» والله لا يهدي القوم الظالمين ٧.

المنافقين «٦٣» فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون ٣.

الدهر «٧٦» إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا ٣.

تفسير : قوله تعالى : «ختم الله على قلوبهم» قال البيضاوي : الختم : الكتم ، سمي به الاستيثاق من الشئ بضرب الخاتم عليه لانه كتم له والبلوغ آخره ، نظرا إلى أنه آخر فعل يفعل في إحرازه. والغشاوة فعالة من غشاه : إذا غطاه ، بنيت لما يشتمل على الشئ كالعصابة والعمامة ، ولا ختم ولا تغشية على الحقيقة ، وإنما المراد بهما أن يحدث في نفوسهم هيئة تمرنهم على استحباب الكفر والمعاصي ، واستقباح الايمان والطاعات بسبب غيهم وانهماكهم في التقليد ، وإعراضهم عن النظر الصحيح فيجعل قلوبهم بحيث لا ينفذ فيها الحق ، وأسماعهم تعاف استماعه فتصير كأنها مستوثق منها بالختم ، وأبصارهم لا تجتلي لها الآيات المنصوبة في الآفاق والانفس ، كما تجتليها أعين المستبصرين ، فتصير كأنها غطي عليها وحيل بينها وبين الابصار ، وسماه على الاستعارة ختما وتغشية ; أو مثل قلوبهم ومشاعرهم المؤوفة بأشياء ضرب حجاب بينها وبين الاستنفاع بها ختما وتغطية. وقد عبر عن إحداث هذه الهيئة بالطبع في قوله تعالى : «اولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم» (١) وبالاغفال في قوله تعالى :

________________

(١) النحل : ١٠٨

١٦٧

«ولا تطع من أغفلنا قلبه» (١) وبالاقساء في قوله تعالى «وجعلنا قلوبهم قاسية» (٢) وهي من حيث إن الممكنات بأسرها مستندة إلى الله واقعة بقدرته استندت إليه ، ومن حيث إنها مسببة مما اقترفوه بدليل قوله : «بل طبع الله عليها بكفرهم» (٣) وقوله تعالى : «ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم» (٤) وردت الآية ناعية عليهم(٥) شناعة صفتهم ووخامة عاقبتهم ، واضطرت المعتزلة فيه فذكروا وجوها من التأويل :

الاول : أن القوم لما أعرضوا عن الحق وتمكن ذلك في قلوبهم حتى صار كالطبيعة لهم شبه بالوصف الخلقي المجبول عليه.

الثاني : أن المراد به تمثيل حال قلوبهم بقلوب البهائم التي خلقها الله تعالى خالية عن الفطن أو قلوب مقدر ختم الله عليها ; ونظيره : سال به الوادي : إذا هلك ، وطارت به العنقاء : إذا طالت غيبته.

الثالث : أن ذلك في الحقيقة فعل الشيطان ، أو الكافر لكن لما كان صدوره عنه بإقداره تعالى إياه أسنده إليه إسناد الفعل إلى السبب.

الرابع : أن أعراقهم لما رسخت في الكفر واستحكمت بحيث لم يبق طريق إلى تحصيل إيمانهم سوى الالجاء والقسر ثم لم يقسرهم إبقاءا على غرض التكليف عبر عن تركه بالختم ، فإنه سد لايمانهم ، وفيه إشعار على ترامي أمرهم في الغي وتناهي انهماكهم في الضلال والبغي.

الخامس : أن يكون حكاية لما كانت الكفرة يقولون مثل : «قلوبنا في أكنة مما تدعوننا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب» (٦) تهكما واستهزاءا بهم ، كقوله تعالى : «لم يكن الذين كفروا» (٧) الآية.

________________

(١) الكهف : ٢٨. (٢) المائدة : ١٣.

(٣) النساء : ١٥٥. (٤) المنافقون : ٣.

(٥) نعى عليه شهواته : عابه بها. ونعى عليه ذنوبه : ظهرها وشهرها.

(٦) حم السجدة : ٥ أقول : أكنة جمع الكن ، وهو وقاء كل شئ وستره ، قال الشيخ الطوسى في التبيان : وانما قالوا : ذلك ليؤيسوا النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله من قبولهم دينه ، فهو على التمثيل فكأنهم شبهوا قلوبهم بما يكون في غطاء فلا يصل اليه شئ مما وراءه ، وفيه تحذير من مثل حالهم في كل من دعى إلى أمر لا يمتنع أن يكون هو الحق ، فلا يجوز أن يدفعه بمثل هذا الدفع ، «وفى آذاننا وقر» أى ثقل عن استماع هذا القرآن «ومن بيننا وبينك حجاب» قيل : الحجاب : الخلاف الذى يقتضى أن نكون بمعزل عنك ، قال الزجاج : معناه : حاجز في النحلة والدين ، أى لا نوافقك في مذهب. (٧) البينة : ١.

١٦٨

السادس : أن ذلك في الآخرة ، وإنما أخبر عنه بالماضي لتحققه وتيقن وقوعه ويشهد له قوله تعالى : «ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما» (١) السابع : أن المراد بالختم وسم قلوبهم بسمة تعرفها الملائكة فيبغضونهم ويتنفرون عنهم وعلى هذا المنهاج كلامنا وكلامهم فيما يضاف إلى الله تعالى من طبع وإضلال و نحوهما. انتهى.

أقول : بعد قيام البرهان على امتناع أن يكلف الحكيم أحدا ثم يمنعه عن الاتيان بما كلفه به ثم يعذبه عليه وشهادة العقل بقبح ذلك وأنه تعالى منزه عنه لابد من الحمل على أحد الوجوه التي ذكرها.

وزاد الشيخ الطبرسي رحمه الله على ما ذكر وجهين آخرين : أحدهما ما سيأتي نقلا عن تفسير العسكري عليه‌السلام وقد مرت الاشارة إليه أيضا وهو أن المراد بالختم العلامة وإذا انتهى الكافر من كفره إلى حالة يعلم الله تعالى أنه لا يؤمن فإنه يعلم على قلبه علامة ; وقيل : هي نكتة سوداء تشاهدها الملائكة فيعلمون بها أنه لا يؤمن بعدها فيذمونه ويدعون عليه كما أنه تعالى يكتب في قلب المؤمن الايمان ويعلم عليه علامة تعلم الملائكة بها أنه مؤمن فيمدحونه ويستغفرون له ، فقوله تعالى : «بل طبع الله عليها بكفرهم» يحتمل أمرين : أحدهما أنه طبع الله عليها جزاءا للكفر وعقوبة عليه ، والآخر أنه طبع عليها بعلامة كفرهم كما يقال : طبع عليه بالطين ، وختم عليه بالشمع. وثانيهما أن المراد بالختم على القلوب أن الله شهد عليها وحكم بأنها لا تقبل الحق كما يقال : أراك أنك تختم على كل ما يقوله فلان أي تشهد به وتصدقه ، وقد ختمت عليك بأنك لا تفلح أي شهدت ، وذلك استعارة. قوله تعالى : «يضل به كثيرا» قال الطبرسي رحمه الله : فيه وجهان : أحدهما : حكي عن الفراء أنه قال حكاية عمن قال : «ما ذا أراد الله بهذا مثلا» أي يضل به قوم ويهدي به قوم ، ثم قال الله تعالى : «وما يضل به إلا الفاسقين» فبين تعالى أنه لا يضل إلا فاسقا ضالا ، وهذا وجه حسن.

________________

(١) اسرى : ٩٧.

١٦٩

والآخر أنه كلامه تعالى ابتداءا وكلاهما محتمل ، وإذا كان محمولا على هذا فمعنى قوله : يضل به كثيرا أن الكفار يكذبون به وينكرونه ، ويقولون : ليس هو من عند الله فيضلون بسببه ، وإذا حصل الضلال بسببه أضيف إليه ، وقوله : «ويهدي به كثيرا» يعني الذين آمنوا به وصدقوه ، وقالوا : هذا في موضعه ، فلما حصلت الهداية بسببه أضيف إليه ، فمعنى الاضلال على هذا تشديد الامتحان الذي يكون عنده الضلال فالمعنى أن الله يمتحن بهذه الامثال عباده فيضل بها قوم كثير ، ويهدي بها قوم كثير ، ومثله قوله : «رب إنهن أضللن كثيرا من الناس (١) أي ضلوا عندها ، وهذا مثل قولهم : أفسدت فلانة فلانا وأذهبت عقله ، وهي ربما لم تعرفه ولكن لما ذهب عقله وفسد من أجلها أضيف الفساد إليها ، وقد يكون الاضلال بمعنى التخلية على وجه العقوبة وترك المنع بالقهر ومنع الالطاف التي تفعل بالمؤمنين جزاءا على إيمانهم ، وهذا كما يقال لمن لا يصلح سيفه : أفسدت سيفك ; أريد به أنك لم تحدث فيه الاصلاح في كل وقت بالصقل والاحداد. وقد يكون الاضلال بمعنى التسمية بالضلال والحكم به كما يقال : أضله إذا نسبه إلى الضلال ، وأكفره : إذا نسبه إلى الكفر ، قال الكميت : وطائفة قد أكفروني بحبكم. وقد يكون الاضلال بمعنى الاهلاك والعذاب والتدمير ، ومنه قوله تعالى : «إن المجرمين في ضلال وسعر (٢) ومنه قوله تعالى : «ءإذا ضللنا في الارض» (٣) أي هلكنا ، وقوله : «والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم» (٤) أي لم يبطل فعلى هذا يكون المعنى : أن الله تعالى يهلك ويعذب بالكفر به كثيرا بأن يضلهم عن الثواب وطريق الجنة بسببه فيهلكوا ويهدي إلى الثواب وطريق الجنة بالايمان به كثيرا ; عن أبي على الجبائي قال : ويدل على ذلك قوله : «وما يضل به إلا الفاسقين» لانه لا يخلو من أن يكون أراد العقوبة على التكذيب كما قلناه ، أو يكون أراد به التحيير والتشكيك ، فإن أراد الحيرة فقد ذكر أنه لا يفعل إلا بالفاسق المتحير الشاك فيجب أن لا تكون الحيرة المتقدمة التي بها صاروا فساقا من فعله إلا إذا وجدت حيرة قبلها أيضا ، وهذا يوجب وجود

________________

(١) ابراهيم : ٣٦.

(٢) القمر : ٤٧.

(٣) الم السجدة : ١٠.

(٤) محمد : ٤.

١٧٠

ما لا نهاية له من حيرة قبل حيرة لا إلى أول ، أو ثبوت إضلال لا إضلال قبله ، وإذا كان ذلك من فعله فقد أضل من لم يكن فاسقا وهو خلاف قوله : «وما يضل به إلا الفاسقين» وعلى هذا الوجه فيجوز أن يكون حكم الله عليهم بالكفر وبراءته منهم ولعنته عليهم إهلاكا لهم ، ويكون إهلاكه إضلالا ، وكل ما في القرآن من الاضلال المنسوب إلى الله تعالى فهو بمعنى ما ذكرناه من الوجوه ولا يجوز أن يضاف إلى الله سبحانه الاضلال الذي أضافه إلى الشيطان وإلى فرعون والسامري بقوله : «ولقد أضل منكم جبلا كثيرا» (١) وقوله : «وأضل فرعون قومه(٢) وقوله : «وأضلهم السامري (٣) وهو أن يكون بمعنى التلبيس والتغليط والتشكيك والايقاع في الفساد والضلال وغير ذلك مما يؤدي إلى التظليم و التجوير إلى ما يذهب إليه المجبرة تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

وإذ قد ذكرنا أقسام الاضلال فلنذكر أقسام الهداية التي هي ضده. اعلم أن الهداية في القرآن تقع على وجوه :

أحدها أن تكون بمعنى الدلالة والارشاد يقال : هداه الطريق وللطريق وإلى الطريق إذا دله عليه ، وهذا الوجه عام لجميع المكلفين ، فإن الله تعالى هدى كل مكلف إلى الحق بأن دله عليه وأرشده إليه لانه كلفه الوصول إليه فلو لم يدله عليه لكان قد كلفه ما لا يطيق ; ويدل عليه قوله تعالى : «ولقد جاءهم من ربهم الهدى» (٤) وقوله : «إنا هديناه السبيل» (٥) وقوله : «أنزل فيه القرآن هدى» (٦) وقوله : «وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى» (٧) وقوله : «وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم» (٨) وقوله : «وهديناه النجدين» (٩) وما أشبه ذلك من الآيات. وثانيها أن يكون بمعنى زيادة الالطاف التي بها يثبت على الهدى ; ومنه قوله تعالى : «والذين اهتدوا زادهم هدى». (١٠)

________________

(١) يس : ٦٢.

(٢) طه : ٧٩.

(٣) طه : ٨٥.

(٤) النجم : ٢٣.

(٥) الدهر : ٣.

(٦) البقرة : ١٨٥.

(٧) حم السجده : ١٧. (٨) الشورى : ٥٢.

(٩) البلد : ١٠. (١٠) محمد : ١٧.

١٧١

وثالثها أن تكون بمعنى الاثابة : ومنه قوله تعالى : «يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الانهار في جنات النعيم (١) وقوله تعالى : «والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم (٢) والهداية التي تكون بعد قتلهم هي إثابتهم لا محالة. ورابعها : الحكم بالهداية كقوله تعالى : «ومن يهدي الله فهو المهتد (٣) وهذه الوجوه الثلاثة خاصة بالمؤمنين دون غيرهم لانه تعالى إنما يثيب من يستحق الاثابة وهم المؤمنون ، ويزيدهم ألطافا بإيمانهم وطاعتهم ، ويحكم لهم بالهداية لذلك أيضا. وخامسها أن تكون الهداية بمعنى جعل الانسان مهتديا ، بأن يخلق الهداية فيه كما يجعل الشئ متحركا بخلق الحركة فيه ، والله تعالى يفعل العلوم الضرورية في القلوب فذلك هداية منه تعالى ، وهذ الوجه أيضا عام لجميع العقلاء كالوجه الاول ، فأما الهداية التي كلف الله تعالى العباد فعلها كالايمان به وبأنبيائه وغير ذلك فإنها من فعل العباد ، ولذلك يستحقون عليها المدح والثواب ، وإن كان الله سبحانه قد أنعم عليهم بدلالتهم على ذلك وإرشادهم إليه ودعاهم إلى فعله وتكليفهم إياه وأمرهم به ، فهو من هذا الوجه نعمة منه سبحانه عليهم ، ومنة منه واصلة إليهم ، وفضل منه وإحسان لديهم ، فهو مشكور على ذلك محمود ، إذ فعله بتمكينه وألطافه وضروب تسهيلاته و معوناته.

وقال رحمه الله في قوله تعالى : «والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم» (٤) : إن المراد به البيان والدلالة ، والصراط المستقيم هو الاسلام ; أو المراد به : يهديهم باللطف فيكون خاصا بمن علم من حاله أنه يصلح به ; أو المراد به : يهديهم إلى طريق الجنة. وقال في قوله تعالى : «متى نصر الله» (٥) قيل : هذا استعجال للموعود كما يفعله الممتحن ، وإنما قاله الرسول استبطاءا للنصر على جهة التمني. وقيل : إن معناه الدعاء لله بالنصر. وقيل : إنه ذكر كلام الرسول والمؤمنين جملة وتفصيلا : قال المؤمنون متى نصر الله؟ وقال الرسول : إلا إن نصر الله قريب.

________________

(١) يونس : ٩.

(٢) محمد : ٤ و ٥.

(٣) اسرى : ٩٧.

(٤) النور : ٤٦.

(٥) البقرة : ٢١٤.

١٧٢

وقال في قوله تعالى : «يخرجهم من الظلمات إلى النور» (١) : أي من ظلمات الضلال والكفر إلى نور الهدى والايمان بأن هداهم إليه ونصب الادلة لهم عليه و رغبهم فيه وفعل بهم من الالطاف ما يقوي دواعيهم إلى فعله.

وقال في قوله تعالى «والله لا يهدي القوم الظالمين» (٢) أي بالمعونة على بلوغ البغية من الفساد. وقيل : لا يهديهم إلى المحاجة كما يهدي أنبياءه. وقيل : لا يهديهم بألطافه وتأييده إذا علم أنه لا لطف لهم. وقيل : لا يهديهم إلى الجنة.

وقال في قوله تعالى : «كيف يهدي الله قوما» : (٣) معناه : كيف يسلك الله بهم سبيل المهتدين بالاثابة لهم والثناء عليهم؟ أو أنه على طريق التبعيد كما يقال : كيف يهديك إلى الطريق وقد تركته؟ أي لا طريق يهديهم به إلى الايمان إمن الوجه الذي هداهم به وقد تركوه ، أو كيف يهديهم الله إلى طريق الجنة والحال هذه؟.

أقول : الاظهر أن المعنى أنهم حرموا أنفسهم بما اختاروه الالطاف الخاصة من ربهم تعالى.

وقال في قوله تعالى : «ومن يرد الله فتنته» (٤) : قيل : فيه أقوال : أحدها أن المراد بالفتنة العذاب أي من يرد الله عذابه كقوله تعالى : «على النار يفتنون» (٥) أي يعذبون وقوله : «ذوقوا فتنتكم» (٦) أي عذابكم.

وثانيها أن معناه من يرد الله إهلاكه.

وثالثها أن المراد به من يرد الله خزيه وفضيحته بإظهار ما ينطوي عليه.

________________

(١) البقرة : ٢٥٧.

(٢) البقرة : ٢٥٨.

(٣) آل عمران : ٨٦.

(٤) المائدة : ٤١ قال الشيخ في التبيان : ـ بعد نقل الاقوال الثلاثة الاولة ـ وأصل الفتنة : التخليص من قولهم : فتنت الذهب في النار أى خلصته من الغش والفتنة : الاختبار ، ويسمى بذلك لما فيها من تخليص الحال لمن أراد الاضلال ، وإنما أراد الحكم عليه بذلك بايراد الحجج ففيه تمييز وتخليص لحالهم من حال غيرهم من المؤمنين ، ومن فسره على العذاب فلانهم يحرقون كما يحرق خبث الذهب فهم خبث كلهم ، ومن فسره على الفضيحة فلما فيها من الدلالة عليهم التى يتميزون بها من غيرهم. (٥) الذاريات : ١٣.

(٦) الذاريات : ١٤.

١٧٣

ورابعها أن المراد من يرد الله اختباره بما يبتليه من القيام بحدوده فيدع ذلك ويحرفه. والاصح الاول. «فلن تملك له من الله شيئا» أي فلن تستطيع أن تدفع لاجله من أمر الله الذي هو العذاب أو الفضيحة أو الهلاك شيئا «أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم» معناه : اولئك اليهود لم يرد الله أن يطهر من عقوبات الكفر التي هي الختم والطبع والضيق قلوبهم ، كما طهر قلوب المؤمنين منها ، بأن كتب في قلوبهم الايمان ، وشرح صدروهم للاسلام. وقيل : معناه : لم يرد أن يطهرها من الكفر بالحكم عليها بأنها بريئة منه ، ممدوحة بالايمان.

قال القاضي : وهذا لا يدل على أنه سبحانه لم يرد منهم الايمان لان ذلك لا يعقل من تطهير القلب إلا على جهة التوسع ، ولان قوله : «لم يرد الله أن يطهر قلوبهم» يقتضي نفي كونه مريدا ، وليس فيه بيان الوجه الذي لم يرد ذلك عليه ، و المراد بذلك أنه لم يرد تطهير قلوبهم مما يلحقها من الغموم بالذم والاستخفاف والعقاب ولذا قال عقيبه : «لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم» ولو كان أراد ما قاله المجبرة لم يجعل ذلك ذما لهم ولا عقبه بالذم ، ولا جعله في حكم الجزاء على ما لاجله عاقبهم وأراد ذلك فيهم.

أقول : روى النعماني في تفسيره فيما رواه عن أميرالمؤمنين صلوات الله عليه أنهم سألوه عن المتشابه في تفسير الفتنة فقال : منه فتنة الاختبار وهو قوله تعالى : «الم أحسب الناس أن يتكروا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون» (١) وقوله لموسى : «وفتناك فتونا». (٢) ومنه فتنة الكفر وهو قوله تعالى : «لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الامور حتى جاء الحق وظهر أمر الله» (٣) وقوله سبحانه في الذين استأذنوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في غزوة تبوك أن يتخلفوا عنه من المنافقين فقال الله تعالى فيهم : «ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطو» (٤) يعني ائذن لي ولا تكفرني ، فقال عزوجل : «ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين». (٥)

________________

(١) العنكبوت : ١ و ٢.

(٢) طه : ٤٠.

(٣) التوبة : ٤٨.

(٤ ، ٥) التوبة : ٤٩.

١٧٤

ومنه فتنة العذاب وهو قوله تعالى : «يوم هم على النار يفتنون» (١) أي يعذبون «ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون» (٢) أي ذوقوا عذابكم. ومنه قوله تعالى : «إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا» (٣) أي عذبوا المؤمنين.

ومنه فتنة المحبة للمال والولد كقوله تعالى : «إنما أموالكم وأولادكم فتنة». (٤) ومنه فتنة المرض وهو قوله سبحانه : «أو لا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون» (٥) أي يمرضون ويقتلون. انتهى. وقال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى : «فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم» قيل : في معناه أقوال : أحدها معناه : فاعلم يا محمد أنما يريد الله أن يعاقبهم ببعض أجرامهم ، وذكر البعض والمراد به الكل ، كما يذكر العموم ويراد به الخصوص. والثاني أنه ذكر البعض تغليظا للعقاب ، والمراد أنه يكفي أن يؤخذوا ببعض ذنوبهم في إهلاكهم والتدمير عليهم.

والثالث أنه أراد تعجيل بعض العقاب مما كان من التمرد في الاجرام لان عذاب الدنيا مختص ببعض الذنوب دون بعض ، وعذاب الآخرة يعم. قوله تعالى : «وجعلنا على قلوبهم أكنة» قال الزمخشري : الاكنة على القلوب والوقر في الآذان مثل في نبو قلوبهم ومسامعهم عن قبوله واعتقاد صحته ، ووجه إسناد الفعل إلى ذاته وهو قوله : «وجعلنا» للدلالة على أنه أمر ثابت فيهم لا يزول عنهم كأنهم مجبولون عليه ، أو هي حكاية لما كانوا ينطقون به من قولهم : وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب وقال الطبرسي رحمه الله : قال القاضي أبوعاصم العامري : أصح الاقوال فيه ما روي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يصلي بالليل ويقرأ القرآن في الصلاة جهرا رجاء أن يستمع إلى قراءته إنسان فيتدبر معانيه ويؤمن به فكان المشركون إذا سمعوه آذوه ومنعوه عن الجهر بالقراءة ، وكان الله تعالى يلقي عليهم النوم ، أو يجعل

________________

(١) الذاريات : ١٣.

(٢) الذاريات : ١٤.

(٣) البروج : ١٠.

(٤) التغابن : ١٥.

(٥) التوبة : ١٢٦.

١٧٥

في قلوبهم أكنة ليقطعهم عن مرادهم ، وذلك بعد ما بلغهم ما تقوم به الحجة وتنقطع به المعذرة ، وبعدها علم الله تعالى أنهم لا ينتفعون بسماعه ولا يؤمنون به ، فشبه إلقاء النوم عليهم بجعل الغطاء على قلوبهم ، وبوقر آذانهم لان ذلك كان يمنعهم من التدبر كالوقر والغطاء ، وهذا معنى قوله تعالى : «وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا متسورا» ويحتمل ذلك وجها آخر وهو أنه تعالى يعاقب هؤلاء الكفار الذين علم أنهم لا يؤمنون بعقوبات يجعلها في قلوبهم تكون موانع من أن يفقهوا ما يستمعونه ; ويحتمل أيضا أن يكون سمي الكفر الذي في قلوبهم كنا تشبيها ومجازا وإعراضهم عن القرآن وقرا توسعا لان مع الكفر والاعراض لا يحصل الايمان والفهم ، كما لا يحصلان مع الكن والوقر ، ونسب ذلك إلى نفسه لانه الذي شبه أحدهما بالآخر كما يقول أحدنا لغيره إذا أثنى على إنسان وذكر مناقبه : جعلته فاضلا ، وبالضد إذا ذكر مقابحه وفسقه يقول : جعلته فاسقا ، (١) وقال الزمخشري في قوله تعالى : ولو شاء الله لجمعهم على الهدى) أي بأن يأتيهم بآية ملجئة ، ولكنه لا يفعل لخروجه عن الحكمة.

وقوله تعالى : «ليمكروا فيها» قال الطبرسي رحمه : اللام : لام العاقبة ، وقال الزمخشري : معناه خليناهم ليمكروا وما كففناهم عن المكر ; وكذا قال : اللام لام العاقبة في قوله تعالى : «ليقولوا» أي عاملناهم معاملة المختبر ليشكروا أو يصبروا فآل أمرهم إلى هذه العاقبة.

وقال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى : «ونقلب افئدتهم وأبصارهم» وجهين :

________________

(١) أوردنا قبلا معنى الاية عن التبيان. ولنذكر هنا ما عن الرضى رحمه الله في كتابه مجازات القرآن قال : وهذه استعارة وليس هناك على الحقيقة شئ مما أشاروا إليه ، وإنما أخرجوا هذا الكلام مخرج الدلالة على استثقالهم ما يسمعونه من قوارع القرآن وبواقع البيان فكأنهم من قوة الزهادة فيه وشدة الكراهية له قد وقرت أسماعهم عن فهمه ، وأكنت قلوبهم دون علمه ، وذلك معروف في عادة الناس أن يقول القائل منهم لمن يشنأ كلامه ويستثقل خطابه : ما أسمح قولك ولا أعى لفظك وإن كان صحيح حاسة السمع ، الا أنه حمل الكلام على الاستثقال والمقت ، وعلى هذا قول الشاعر : وكلام سيئ قد وقرت * إذنى عنه وما بي من صمم.

١٧٦

أحدهما أنه يقلبهما في جهنم على لهب النار وحر الجمر كما لم يؤمنوا به أول مرة في الدنيا ; والآخر أن المعنى : يقلب أفئدتهم وأبصارهم بالحيرة التي تغم وتزعج النفس. وقال الزمخشري : «ونقلب أفئدتهم ونذرهم» عطف على لا يؤمنون داخل في حكم وما يشعركم أنهم لا يؤمنون ، وما يشعركم أنا نقلب أفئدتهم وأبصارهم ، أي نطبع على قلوبهم وأبصارهم فلا يفقهون ولا يبصرون الحق ، كما كانوا عند نزول آياتنا أولا ، لا يؤمنون بها لكونهم مطبوعا على قلوبهم وما يشعركم أنا نذرهم في طغيانهم أي نخليهم وشأنهم لا نكفهم عن الطغيان حتى يعمهوا فيه. (١)

وقال في قوله تعالى : «إلا أن يشاء الله» أي مشية إكراه واضطرار.

وقال الطبرسي رحمه الله في قوله : «كذلك جعلنا» وجوه : أحدها أن المراد كما أمرناك بعداوة قومك من المشركين فقد أمرنا من قبلك بمعاداة أعدائهم من الجن والانس. ومتى أمر الله رسوله بمعاداة قوم من المشركين فقد جعلهم أعداءا له. وثانيها : أن معناه حكمنا بأنهم أعداء وأخبرنا بذلك ليعاملوهم معاملة الاعداء في الاحتراز عنهم والاستعداد لدفع شرهم ، وهذا كما يقال : جعل القاضي فلانا عدلا وفلانا فاسقا إذا حكم بعدالة هذا وفسق ذاك.

وثالثها : أن المراد خلينا بينهم وبين اختيارهم العداوة ، لم نمنعهم على ذلك كرها ولا جبرا ، لان ذلك يزيل التكليف.

ورابعها : أنه سبحانه إنما أضاف ذلك إلى نفسه ، لانه سبحانه لما أرسل إليهم الرسل ، وأمرهم إلى دعائهم إلى الاسلام والايمان وخلع ما كانوا يعبدونه من الاصنام والاوثان نصبوا عند ذلك العداوة لانبيائه ، ومثله قول نوح عليه‌السلام : «فلم يزدهم دعائي إلا فرارا» وقال : والعامل في قوله : «ولتصغى» قوله : «يوحى» ولا يجوز أن يكون العامل

________________

(١) وهذه استعارة ، لان تقليب القلوب والابصار على الحقيقة بازالتها عن مواضعها « إقلاقها عن مناصبها لا يصح ، والبنية صحيحة والجملة حية متصرفة ، وإنما المراد ـ والله أعلم ـ أنا نرميها بالحيرة والمخافة جزاءا على الكفر والضلالة فتكون الافئدة مسترجعة لتعاظم أسباب المخاوف وتكون الابصار منزعجة لتوقع طلوع المكاره. وقد قيل : إن المراد بذلك تقليبهما على مرامض الجمر في نار جهنم وذلك يخرج الكلام عن حيز الاستعارة إلى حيز الحقيقة ; قاله الرضى رضي‌الله‌عنه.

١٧٧

فيه «جعلنا» لان الله سبحانه لا يجوز أن يريد إصغاء القلوب إلى الكفر ووحي الشياطين ، إلا أن نجعلها لام العاقبة. وقال البلخي : اللام في : «ولتصغى» لام العاقبة ، وما بعده لام الامر الذي يراد به التهديد.

وقال رحمه الله في قوله تعالى : «فمن يرد الله أن يهديه» فيه وجوه :

أحدها : أن معناه من يرد الله أن يهديه إلى الثواب وطريق الجنة يشرح صدره في الدنيا للاسلام بأن يثبت عزمه عليه ويقوي دواعيه على التمسك به ، وإنما يفعل ذلك لطفا له ومنا عليه ، وثوابا على اعتدائه بهدى الله وقبوله إياه ; ومن يرد أن يضله عن ثوابه وكرامته يجعل صدره في كفره ضيقا حرجا عقوبة له على تركه الايمان من غير أن يكون سبحانه مانعا له عن الايمان ، بل ربما يكون ذلك داعيا إليه ، فإن من ضاق صدره بالشئ كان ذلك داعيا إلى تركه.

وثانيها : أن معناه فمن يرد الله أن يثبته على الهدى يشرح صدره من الوجه الذي ذكرناه ، جزاءا له على إيمانه واهتدائه ، وقد يطلق الهدى ويراد به الاستدامة ; ومن يرد أن يضله أي يخذله ويخلي بينه وبين ما يريده ، لاختياره الكفر وتركه الايمان يجعل صدره ضيقا حرجا بأن يمنعه الالطاف التي هو ينشرح لها صدره ، لخروجه من قبولها بإقامته على كفره.

وثالثها : أن معناه من يرد الله أن يهديه زيادة الهدى التي وعدها المؤمن يشرح صدره لتلك الزيادة لان من حقها أن يزيد المؤمن بصيرة ، ومن يرد أن يضله عن تلك الزيادة بمعنى يذهبه عنها من حيث أخرج هو نفسه من أن تصح عليه يجعل صدره ضيقا حرجا لمكان فقد تلك الزيادة ، لانها إذا اقتضت في المؤمن ما قلناه أوجب في الكافر ما يضاده ، والرجس : العذاب.

وقال في قوله تعالى : «إنا جعلنا الشياطين» أي حكمنا بذلك لانهم يتناصرون على الباطل كما قال : «وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا».

وقال في قوله : «ولقد ذرأنا لجهنم» يعني خلقناهم على أن عاقبتهم المصير إلى

١٧٨

جهنم بكفرهم وإنكارهم وسوء اختيارهم ، ويدل عليه قوله سبحانه : «وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون».

وقال الزمخشري : جعلهم في أنهم لا يلقون أذهانهم إلى معرفة الحق ولا ينظرون بعيونهم إلى ما خلق الله نظر اعتبار ، ولا يسمعون مايتلى عليهم من آيات الله سماع تدبر كأنهم عدموا فهم القلوب وإبصار العيون واستماع الآذان وجعلهم لاغراقهم في الكفر وشدة شكائمهم فيه وأنهم لا يتأتى منهم إلا أفعال أهل النار مخلوقين للنار ، دلالة على توغلهم في الموجبات ، وتمكنهم فيما يؤهلهم لدخول النار.

وقال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى : «فريقا هدى» أي جماعة حكم لهم بالاهتداء بقبولهم للهدى ، أو لطف لهم بما اهتدوا عنده ، أو هداهم إلى طريق الثواب «وفريقا حق» أي وجب عليهم الضلالة ، إذ لم يقبلوا الهدى ، أو حق عليهم الخذلان لانه لم يكن لهم لطف تنشرح لهم صدورهم ، أو حق عليهم العذاب أو الهلاك بكفرهم.

وقال الزمخشري في قوله تعالى : «ولكن الله قتلهم» : أي إن افتخرتم بقتلهم فأنتم لم تقتلوهم ولكن الله قتلهم لانه هو الذي أنزل الملائكة وألقى الرعب قي قلوبهم ، وشاء النصر والظفر ، وقوى قلوبكم ، وأذهب عنها الفزع والجزع ، وما رميت أنت يا محمد إذ رميت ولكن الله رمى ، يعني أن الرمية التي رميتها لم ترمها أنت على الحقيقة لانك لو رميتها لما بلغ أثرها إلا ما يبلغ أثر رمي البشر ، ولكنها كانت رمية الله حيث أثرت ذلك الاثر العظيم فأثبت الرمية لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لان صورتها وجدت منه ، ونفاها عنه لان أثرها الذي لا تطيقه البشر فعل الله فكأن الله هو فاعل الرمية على الحقيقة ، و كأنها لم توجد من الرسول أصلا.

وقال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى : «ثم انصرفوا» أي انصرفوا عن المجلس ، وقيل انصرفوا عن الايمان به «صرف الله قلوبهم» عن الفوائد التي يستفيدها المؤمنون والسرور بها ، وحرموا الاستبشار بتلك الحال. وقيل : معناه صرف الله قلوبهم عن رحمته وثوابه عقوبة لهم على انصراهم عن الايمان بالقرآن ، وعن مجلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله . وقيل : إنه على وجه الدعاء عليهم أي خذلهم الله باستحقاقهم ذلك ، ودعاء الله على عباده وعيد لهم وإخبار بلحاق العذاب بهم.

١٧٩

قوله تعالى : «كذلك حقت كلمة ربك» قال الزمخشري : «إنهم لا يؤمنون» بدل من الكلمة أي حق عليهم انتفاء الايمان وعلم الله منهم ذلك ، أو حق عليهم كلمة الله أنهم من أهل الخذلان وأن إيمانهم غير كائن ، أو أراد بالكلمة العدة بالعذاب. «وأنهم لا بؤمنون» تعليل بمعنى لانهم لا يؤمنون.

وقال في قوله تعالى : إن الذين حقت عليهم كلمة ربك أي ثبت عليهم قول الله الذي كتبه في اللوح وأخبر به الملائكة أنهم يموتون كفارا فلا يكون غيره فتلك كتابة معلوم لا كتابة مقدر ومراد ; تعالى الله عن ذلك.

وقال السيد المرتضى رضي‌الله‌عنه : إن سأل سائل فقال : ما عندكم في تأويل قوله تعالى : «ولو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم» يقال له : أما قوله تعالى : «ولو شاء ربك» فإنما عنى به المشية التي نيضم إليها الالجاء ، ولم يعن المشية على سبيل الاختيار ، وإنما أراد تعالى أن يخبرنا عن قدرته وأنه ممن لا يغالب ولا يعصى مقهورا ، من حيث كان قادرا على الالجاء والاكراه على ما أراده من العباد ، فأما لفظة ذلك في الآية فحملها على الرحمة أولى من حملها على الاختلاف لدليل العقل وشهادة اللفظ ، فأما دليل العقل فمن حيث علمنا أنه تعالى كره الاختلاف والذهاب عن الدين ونهى عنه وتوعد عليه ، فكيف يجوز أن يكون شائيا له ومجريا بخلق العباد إليه؟ وأما شهادة اللفظ فلان الرحمة أقرب إلى هذه الكناية من الاختلاف ، وحمل اللفظ على أقرب المذكورين أولى في لسان العرب ، فأما ما طعن به السائل من تذكير الكناية فباطل لان تأنيث الرحمة غير حقيقي ، وإذا كني عنها بلفظ التذكير كانت الكناية على المعنى لان معناها هو الفضل والانعام كما قالوا : سرني كلمتك ، يريدون سرني كلامك. وقال الله تعالى : «هذا رحمة من ربي» ولم يقل : «هذه» وإنما أراد هذا فضل من ربي ، وفي موضع آخر «إن رحمة الله قريب من المحسنين» ولم يقل : قريبة.

أقول : ثم استشهد رحمه الله لذلك بكثير من الاشعار تركناها حذرا من الاطناب ثم قال : وقال زياد الاعجم :

إن الشجاعة والمروة ضمنا

قبرا بمرو على الطريق الواضح

١٨٠